الوحدة: 21- 9- 2020
تمخضت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك فولدت قراراً (خبزياً) قد تعتبره حلاً لأزمة الخبز المستجدة، وها نحن بانتظار الأيام القادمة لنحكم على التجربة.
بعد الأخذ والرد على مدى شهور وأسابيع، لم تجد الوزارة المعنية طريقاً واحداً للحلول إلا من خلال منع وتكبيل أيادي المواطنين عن الحصول على مادة لطالما قلنا أنها خط شديد الاحمرار، فعندما دخلت البطاقة (الذكية) على خط الخبز، بشرنا القائمون عليها بأننا سننعم بخبز بلادنا بلا عناء، وسنصل إلى غايتنا القصوى بسلاسة وليونة، فأطلقنا الأفراح، ورمينا الهم عن كاهلنا، لنفاجأ بفقدان المادة من الأحياء والبقاليات، وإجبارنا على اقتحام جموع المنتظرين على أبواب الأفران، فبات القرار نقمة على أيامنا، وهدراً لساعات طوال على أبواب المخابز قبل الحصول على رغيف متواضع، نصفه لا يصلح للاستهلاك، ونصفه الآخر لا يلبي طموح الطامحين، ودائماً تأتي الحجج جاهزة ومعلبة، ولكنها لا تقنع عاقلاً، ولا تصل إلى قلب من يريد جعل الأزمة والحصار سبباً رئيسيا لما نحن فيه.
إن ما يحصل مع وزارة (الحماية) يشبه إلى حد بعيد ذاك الطالب الذي لا يستوعب ما يلقيه عليه أستاذ المدرسة، على الرغم من أن الأستاذ يشرح الدرس بكل جوارحه، ويبذل كل امكانياته لإيصال المعلومة، فالوزارة تسعى لحصر المادة وعدم استغلالها، وتحويلها إلى علف للمواشي والطيور، وهذا أمر محق وشرعي إلا أنه ينعكس سلباً على المواطن، لتصبح مكافحة قلة قليلة من الانتهازيين أشبه بعقوبة جماعية لمواطنين أبرياء، لا ذنب لهم سوى خروج بعض عديمي الأخلاق من بين ظهرانيهم.
اجتهدت الوزارة بالأمس وحددت كمية الخبز المتاح لكل أسرة بحسب عدد أفرادها، وقدمت الوزارة ما يشبه الدراسة عن الحاجة الفعلية لكل أسرة، فبدت المسألة صحيحة من الناحية الحسابية، ولكنها ستولد مصاعباً إضافية على المواطن، سنأتي على ذكرها في الأسطر القادمة.
في الأيام والأسابيع الماضية، كان الذاهب إلى كوات الأفران يعرف أن المغامرة لن تحدث كل يوم، فحاجة الغالبية ليست أربع ربطات يومية، ولكن المواطن كان يحصل على كامل مخصصاته، وربما يستعير بطاقه جاره، ليشتري ثماني ربطات بدلاً من أربعة، كي يخزنها في ثلاجته لمدة أسبوع كامل، فيرتاح من عناء الوقوف لمرات متتالية في الطابور عند أبواب الأفران، وتغدو مؤنته من الخبز جاهزة لأيام، ولا داع للعودة إلى الطابور قبل نفاذها، وكان الجميع تقريباً غير مهتمين بمصير باقي الخبز المتاح خلال أيام الأسبوع، ولم يكن لديهم مانع بإعطاء بطاقتهم لمن يريد الاستفادة منها، وهنا كان استغلال المادة يحصل، وتحويلها لغير أهدافها يحضر، وبناء عليه كان قرار الوزارة بتقليص المادة المتاحة صحيحاً، ولكنه يحتاج إلى مكملات كي يلقى الترحيب والقبول من الجميع.
بعد القرار الجديد، سيضر كل مواطن إلى طرق أبواب الفرن يومياً بغية الحصول على خبزه، وسيتكبد الجميع أعباء التنقل والانتظار، فلا إمكانية لتموين الخبز في الثلاجة بعد اليوم، ولا فسحة لفنجان قهوة صباحي على راحتك أيها المواطن، فأنت مقيد بزيارة يومية إلى الفرن ولو كره الكارهون، وهذا ما يدفعنا للقول بأن القرار يحتاج إلى إجراءات متممة ،ولا بد أن تنتبه الوازرة لها، وأن تسعى إلى تطبيقها.
إكمال الحل ليس صعباً، وإنما يحتاج إلى قرار بسيط، فكما كنا في السابق ننزل إلى أقرب بقالية لشراء ربطة الخبز، يمكننا أن نعود إلى سابق عهدنا، وتستطيع الوزارة أن تعطي صلاحية لبقالية أو اثنتين في كل حي لبيع الخبز على البطاقة بعد تزويد هذه البقاليات بالجهاز اللازم الذي يبلغ ثمنه (كما علمنا) أربعمائة ألف ليرة، وهذا المبلغ لن يكسر خزينة الوزارة، وسيوفر عليها اجتراح أفكار جديدة لإيصال الخبز الى مستحقيه.
بهذه الطريقة (المقترحة سابقاً)، نحل المشكلة، ونريح المواطن، ونخفف الضغط الكبير على أبواب الأفران، (ويا دار ما دخلك شر).
بالمناسبة، يجب على متقلدي المناصب أن يطلعوا جيداً على ما يسوقه الكتاب سواء في الصحف أو على مواقع التواصل، لأن فيها أفكاراً جيدة قد لا يبلغها مستشارو المسؤول، فمن المؤلم في مكان ما أن تجد اقتراحاً لحل على صفحة (فيسبوكية)، قبل أشهر من اعتماده كحل رسمي في الوزارات، وأزمة البنزين خير دليل على ادعائنا، وعليكم فقط أن تراجعوا مادة منشورة هنا في الثالث والعشرين من الشهر الماضي، لتقارنوها فقط بما صدر بالأمس عن وزارة النفط والثروة المعدنية، ولكم الحكم.
غيث حسن