الوحدة :5-9-2022
كان في آخر العمر..
كانت في أول العمر قصفٌ ومطرٌ ورعود..
مشيا وكانت ممسكةً بيده..
بيده الأخرى عصاه.. التي تساعده على طيّ الدروب..
محطات وانتظار وخيبة في الوصول..
عادا لبيتهما الطيني وتحت سقفٍ واطئ..
فوق حصيرةٍ عتيقةٍ مهترئة.
جلسا قُبالة الشاشةِ الصّغيرة فتحت جميلة الصغيرة “التلفزيون”..
من أول المشاهد غرقَ في النوم..
إلى آخر المشاهدات غرقت في متابعةِ ما كانت تعرضُه الشاشةُ الصغيرة عن أحداث يوم شتائي قصير..
طائرات تُغير على مدن وقرى وحقول دبابات وقنابل وصواريخ تجتاح وتفجّر وتحرقُ بساتينَ وأطفالاً ونخيلاً..
هروات تنهال على رؤوسٍ وظهورٍ وأعناق..
جرافاتٌ تعجن الترابَ والحجارةَ وأجسادَ كانت حيةً قبلَ لحظات..
تهديدات ووعيد..
انتابتها موجاتٌ متلاحقةٌ من الخوف..
مدّت جميلةُ يَدها إلى يد جدّها الغارق في النوم، مسكتها.. هزتها: – جدي.
وانتفضَ الجدُّ العجوز:
– جدّي.. خير يا جدي؟
– لماذا يحبون القتلَ؟
– لأنهم يحبون القتلَ يا جدّي.
– جدّي ما أكثر الظالمين على هذه الأرض؟
– ما أقلّ الذين لم يُظلموا على هذه الأرض يا جدي.
– لماذا يقتلوننا نحن الصغار؟
– لأنهم يحبون القتلَ يا جدّي.
– ليسرقوا خبزنا؟ أليس كذلك يا جدّي..
– ليسرقوا حتى الهواء يا جدّي..
– جدّي.. لماذا يموت الناس؟
– لأنهم يموتون.
– وكيف يموتون..
– من القهر يا جدّي..
– جدّي.. جدي..
وهزْته من يدهِ لم تهتزّ يدُه بيد جميلة الصغيرة:
– جدّي.. جدّي..
– جدّي.. جدّي.
بديع صقور