الوحدة : 26-11-2024
بدأ الشتاء قاسياً ودون سابق إنذار بأمطار، بلا كساء أو وقود، إذ امتنعنا عن جلب الحطب للنار ولا مازوت ولا تدفئة.
السيدة سامية عبد الله قالت: البرد في أوله ولا أعلم ماذا أضع مدفأة مازوت أو حطب لأجل أولادي الصغار؟ ومدفأة الغاز بعيدة عن الطرح وليس في هذا الرأي صواب، حيث جرة الغاز يجب أن تكفي لأكثر من شهرين وهذا صعب المنال، وأحمد الله أننا نسكن في المدينة والجو دافئ غيره في الأرياف، عندما أعود من عملي أرى كل فرد من عائلتي قد تلحف بغطاء أو لحاف، وهذا هو الحل الوحيد والأنجع، فلا مصاريف ولا دخان.
الجدة أم جابر تروي ذكرياتها الدافئة والوجنتان فيها نار لتقول بعد تنهيدة طويلة بأنفاس يمكن أن تشعل حطب التنور: البرد ينخر في مفاصلي، فلا أستطيع الخروج من تحت اللحاف، وابني يأتي بالقهوة ليشربها معي في الصباح، فهو يسكن الطابق الذي يعلو بيتي، ويردد على مسامعي أنه سيوقد لي المدفأة حالما يوزع المازوت في القرية، وأتساءل في نفسي إن كان سيكفيني ٥٠ لتراً طوال الشتاء، مع العلم أن معظم وقتي في بيت ولدي، كما أنه ليس لدي مورد أو مال، وولدي جزاه الله خيراً يدفع عني رغم ضيق الحال وهو ما يتعبني ويؤلمني، وعندما يسمعني أناشد ربي (اللهم أسرع بأجلي وخذ أمانتك) يصيح بي: لماذا أمي، وقد علمتني الصبر والإيمان؟
وتطلق العنان لزفيرها بحنين يتأجج في الكلام لتقول: في الأيام الزاهيات والعمل في الحقول لا يهدأ ويطول ورغم ذاك، كنا نقلم الأشجار ونزج التخوم لأحمل أكداساً من الأغصان والحطب لأجل التدفئة والطبخ، ولم تشكل التدفئة عندنا مأزقاً أو هماً، فهي في وفرة وغمرة ولم نقرب يوماً الغابات التي نتفيأها وتفرش علينا النسمات، وكنا رغم البرد و الزمهرير الذي يتدلى من الأغصان في دفء وسلام نفسي من (المدفأة – التفية) التي كانت تتمركز في الدار، وتشكل فيه الشريان، فهي المدفأة والبتوغاز نفتقدهما اليوم فيهما المازوت والغاز، كانت تشع بوهج نارها على من جاءنا من الأقارب ليسهر ويتسلى مع كمشة تين يابس وحمص يشوى عليها، وأقداح شاي، أكاد أسمع أزيزها والقلب عليها نار.
هدى سلوم