حديث القهوة..

الوحدة : 5-11-2024

أحلى ما يزين صباحنا ويعدل مزاجنا فنجان من القهوة “البن” مع كأس ماء.. يستحسن شرب رشفة من الماء قبل تناول القهوة لأنها تطرد السموم.. وتطهر الأمعاء، وتمنع الصداع..
أغلبنا يردّد اسم قهوة بدلاً من البن، علماً أن القهوة لها معنى آخر عند العرب القدماء، فيرجع معناها عندهم إلى الخمرة.. وقد ذكرها عدة شعراء في قصائدهم، كأبي النواس، في شعره:
وقهوةٍ عُتّقتْ في دير شمّاسِ..
تفترّ في كأسها عن ضوءِ مقباسِ..
لولا مداراةُ حاسِيها إذا اقتربتْ..
مِن فيه لانتهبتْ مِن مُقلة الحاسي…
وفي قصيدته، “خمرية”:
يا خاطبَ القهوةَ الصهباءَ يمهرُها…
بالرطلِ يأخذ منها ملأه ذهبا…
قصرت بالراحِ فاحذرْ أن تسمّعَها….
فيحلف الكرم أن لايحملَ العنبا…
أما أبو تمام، فيقول:
وقهوة كوكبها يزهرُ….
يسطع منها المسك والعنبرُ…
وردية يحتثها شادنٌ…
كأنها من خده تُعصرُ..
والشاعر الملقب بـ ماني الموسوس، يقول:
وغيث درورِ المقلتين كأنما…
مدامعُه فوق الثرى لؤلؤٌ أثرى….
شربت عليه “قهوة بابلية”..
هي الخمرُ أو عود تناوله جمرا.
وغيرهم من شعراء آخرين، ذكروا القهوة بمعنى الخمرة..
إلى أن اكتشفت شجرة البن في القرن 15م، في اليمن وتداول اسمها ما بين بن أو قهوة،.. شخصياً لا أجد تفسيراً لتسمية القهوة التي هي نفسها شجرة البن إلا لأنها تتشابه بالمعنى، فالقهوة تأتي من الفعل الثلاثي قهي، وهي تأتي نفس معنى الخمرة، التي تقهي شاربها عن الطعام، أي تصد النفس عن الأكل وتؤرقه عن النوم..
وبعد اكتشاف شجرة البن جعلها العرب قديماً، مادة رئيسة كمشروب يتهللون ويرحبون بالضيف من خلالها.. فكانوا يقدمونها للزائر حين وصوله مرابعهم أربع مرات، ويطلقون تسمية أول فنجان يصبونه له بـ “فنجان الهيف”، والثاني “فنجان الضيف”، والثالث “فنجان الكيف”، الرابع والأخير يدعى بـ “فنجان السيف”..
أما فنجان “الهيف” فيقصدون به عند جاهزية الفنجان يقدم للضيف ويشربه ليتأكد من جودة القهوة، ثم يصب المضيف الفنجان الثاني ويسمى “الضيف” ويقدمه للضيف بعد ما يتذوق الأول ويعد بمثابة فنجان العيش والملح، ويطمئن كل منهما للآخر، بينما يسمى الفنجان الثالث “الكيف” بفرض الاستمتاع واللذة، ثم يأتي الفنجان الأخير “السيف” أي فنجان التعاضد والتكاتف والفروسية والحرب، فإذا أخذه الضيف وتناوله فهذا يعني أنه أصبح بينه وبين مضيفيه علاقة تودد متينة قوية، أي بإمكانه الغزو معهم والدفاع عنهم، إذا وقع عليهم أي هجوم أو اعتداء من قبل الأعداء.
وفي يومنا هذا، فيسارع المضيف لصنع فنجان من القهوة البن أول مجيء الضيف كترحيب وتهليل بمجيئه فيقول: هذا فنجان أهلاً ومية ألف سهلاً.. أي أنه صادف أهلاً له وليسوا غرباء.. وسهلاً تعني أن الضيف وصل مكاناً سهلاً لن يمسه سوء.. ولذلك يقال للضيف: حللت أهلاً ووطئت سهلاً.. أما الثاني والأخير فلا يقدمه إلا عندما ينوي الضيف مغادرة المكان، فيقدمه المضيف بعنوان مع السلامة أي رافقتكم السلامة..
مهما عَمُرت وكثرت موائدنا بالضيافة والقيافة فغالبيتنا يرى أنه ليس لها معنى إذا ما تواجد فنجان من القهوة البن الأسود الذي يعكس صورة الوجه الأبيض لمن يجود بضيافته – للعلم وسبحان الله – القهوة هي المشروب الوحيد الذي نستسيغه فنتقبله في الأتراح ونتلذذ بارتشافه في الأفراح.. دامت دياركم عامرة بالمسرات وأبعد عنكم الأحزان..
ختاماً، لا تحلو صباحاتنا إلا بوجود فنجان نرتشفه ويصاحبه شريط أفكارنا لما ننويه من برمجة يومنا، ومنا من يحتسيه سادة وهو الأصوب صحياً، كما أدلت الأبحاث الحديثة، لأن القهوة إذا شربت مع السكر، فهي تعمل على مدى الزمن بخلل على مستوى الذاكرة وبذلك يؤدي إلى الخرف والزهايمر!! لا أصابكم مكروه.. وكما يحبذ شربها في فترة الصباح، لأنها تمنحنا الشعور باليقظة والنشاط..
أخيراً، من منا لم يسمع أغنية اسمهان الجميلة، التي أدتها في مشهد فني ساحر من فيلم “غرام وانتقام” تدور بفناجين القهوة لمن حولها، فتتلاعب بالألفاظ بين كلمتي “قهوة وأهوى”، أيا مين يقول لي أهوى أسقيه بإيدي قهوة”.. وسميرة توفيق.. بالله تصبوا هالقهوة تزيدوها هيل.. وأغنية في قهوة عَ المفرق لصاحبة الصوت الملائكي فيروز..
نهايةً، صباح الخير والبركة وألف صحة وهنا..

د. سحر أحمد علي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار