العدد: 9314
18-3-2019
التقيتها صدفة . . . أتت لزيارة أحد أقاربها في البناء المقابل لمنزلي، لم أرها منذ سنواتٍ طويلة، تلك السيدة الأربعينية التي تعمل في محلٍ لصنع الحلوى في إحدى ضواحي المدينة، تبادلنا أطراف الحديث، وأخبرتني أن عائلتها قد مرّت بظروف صعبة جداً في ظل هذه الأزمة التي لم ترحم أحداً وأنها الآن مضطرة للعمل رغم أنها حاولت الحصول على وظيفة تليق بشهادتها الجامعية لكنها فشلت مراراً.
أذكر تماماً شغفها بالمطالعة وكتابة الشعر وطموحاتها السابقة، بدأت تحدثني عن تكاليف الدروس الخصوصية وأجور السكن وغلاء المعيشة، وأضافت بحسرة وكأنها تواسي نفسها . . (على رأي المثل القائل: بحصة بتسند جرة) . .
ودّعتها وفي جعبتي كلام كثير، لكني أعرف أنّ كل نظريات العالم لن تمسح دمعة حزن مكابرة سقطت من عينها عنوة، أو تعيد إليها ابتسامة صادمة كانت تزين بها خاتمة قصيدة أو خاطرة أدبية، وخصوصاً أنها وفي نهاية الحديث أخبرتني أنها لم تكتب ولا كلمة واحدة منذ بداية الأزمة . .
فور مغادرتها حضرتني كلمات مؤثرة للأديبة غادة السمان من كتابها (الرغيف ينبض كالقلب) وذلك في حوار إنساني ملفت بين بطلة القصة والصياد:
(وسألته: ألم يحدث مرةً أن شعرت بالحزن لموت سمكةٍ وأعدتها إلى البحر بينما هي تشهق وتئنُّ احتضاراً؟!
أجاب الصياد بقسوة: لا يا سيدتي، لأن صوتَ أطفالي حينما يجوعون هو وحده الذي أسمعهُ)!!
ربما . . في زمن أصبحت فيه لقمة العيش هاجساً يومياً لدى الكثيرين، وأصبح غلاء المعيشة العالمي سبباً في حرمان كثير من العائلات من أدنى مظاهر الرفاهية، بالإضافة إلى ما خلّفته الأزمة الأخيرة من تجّارٍ استغلوا الظروف الراهنة وتلاعبوا بلقمة عيش المواطن لأجل مصالحهم الشخصية، علينا أن نعترف أن نعترف أن معظمنا أصبح كالصياد المسكين الذي لم يعد يسترق السمع إلى غناء البحر، ورقص الموج، ولم يعد ينظر إلى الأسماك الملوّنة بعينٍ رومانسية حالمة، لأن الواقع مختلف تماماً . .
لكن، مَنْ قال إن الصياد لم يكن عاشقاً أو شاعراً أو كاتباً حالماً في يوم من الأيام!
مَنْ قال إنّ قلبه لم يكن ينبض بالحب والإنسانية والحزن، كما ينبض الرغيف الآن… بل وأكثر!!
منى كامل الأطرش