الوحدة : 23-10-2021
وقفت دور النشر في أيامنا هذه موقف المتفرج المتألم العاجز أمام هذه الحرب الثقافية التي نتعرض لها والتي تفوق طاقتها وحولت الدور المتوسطة إلى دور صغيرة وطنية ودور كبيرة، فدار عين الزهور إحدى دور النشر التي تحولت إلى دار صغيرة بعد الأزمة فوقفت بصلابة مقاومةً الظروف منذ عام ٢٠٠٠حتى اليوم بإدارة الأستاذ لوثر حسن الذي حاول أن يحافظ على خط سير الدار لكي لا تنحى منحى المؤسسات الثقافية الأخرى التي اعتمدت على الترجمة فقط لأسباب ربحية قائلاً: نحن عملنا بالترجمة وهي مربحة بالمناسبة ولكن من غير المعقول أن يكون كل ما يطرح في البلد ترجمة، متناسين أن هناك أدباء في البيوت وشعراء ومبدعين يجب أن يأخذوا فرصهم أمام هذا السيل الكبير من الترجمة سواء من الدور الكبيرة أو من المؤسسات الثقافية أو وزارة الثقافة وغيرها، ويبقى عملنا صعباً وضحلاً، من الصعب تسويقه وتنفيذه ومكلف جداً رغم ذلك نعمل ونحافظ على سوية محددة من العمل.
دَور دار عين الزهور في هذه المرحلة بشكل عام كان استلام المسودة من الناشر وتقوم بتصحيحها وإخراجها وتنسيقها ويتم تصميم غلاف مناسب لها ويتم استشارة الأديب أو الكاتب وتقديم عدّة خيارات بموضوع تصميم الغلاف، وبعدها يتم طباعتها وسلفنتها وتقديمها ككتاب جاهز ولائق يليق بالنشر والحركة الثقافية بالبلد وبدار النشر.
ووصف الأستاذ لوثر العلاقة بين الناشر ودور النشر قائلاً: العلاقة جيدة بيننا ومعظم الفعاليات التي نشرت لدينا أصبح بعدها بيننا صداقة مع عدد كبير من الناشرين على الصعيد الشخصي، وأصبحوا أصدقاء للدار، وعلى الصعيد الشخصي أيضاً ومعظم الذين نشروا كرروا التجربة مرة أخرى لدينا.
وقد وصف الأستاذ لوثر وضع التسويق حالياً بالسيئ الضحل، وعزا ذلك لظروف الناس والحالة الاقتصادية وعدم دعم حركة المعارض وعدم ضخ مشاريع ولو الصغيرة منها في الجامعات، وفي المراكز الثقافية قائلاً: للأسف الكتاب يطبع ولا يوزع، باختصار لا يباع، لا يوجد قدرة على الشراء ولا يوجد حركة دعم له ولعدم تواجد مؤسسات من الممكن أن تأخذ ٥٠ نسخة وتوزيعها وهي مسؤولية المؤسسات الثقافية بامتياز ونحن يجب أن نعترف أن هذه الحرب ثقافية بامتياز.
أما ما هو حال واقع تسويق الكتب في أيامنا هذه بنظر الأستاذ لوثر؟ أجابنا بصراحة أن تسويق الكتب من أكبر المشاكل في هذه الأيام فمن غير الممكن تسويق الكتب حتى السورية لعدم انسجامها مع دخل المواطن ولعدم التشجيع من المؤسسات، فالشعر هو الأكثر طلباً الآن بالرغم من عدم إمكانية تسويقه فهو يُنشر ولا يُباع والشاعر الذي ينشر ديوان شعر غير قادر على بيع عشرين نسخة في البلد فهو من الممكن أن يؤلف كتاباً ويهديه أكثر من أن يبيعه للناس. والجدير ذكره أن الأستاذ لوثر كان متحفظاً في موضوع أدب الطفل، فحتى نكتب للطفل برأيه يجب أن نرتقي لمستواه، والخطأ الذي يقع فيه الكتّاب أنهم ينزلون لمستوى عقول الأطفال ليكتبوا لهم.
شاركت دار عين الزهور بعد الأزمة بصناعة الكتب وتوزيعها على بعض المكتبات وشاركت بعدة معارض ضمن المدن السورية ولكن بعد الأحداث لم تشارك خارج حدود الوطن، وأثناء الحرب حاولت دار عين الزهور القيام بمبادرات فقدموا مشاريع منها مبادرات ثقافية عام ٢٠١٦ م وهي عبارة عن مسابقات في القصة القصيرة، أدب الأطفال، الشعر والمقال للشباب، أنجزت منها مرحلتين مهمتين ولكن مبادرة الشعر لم توفق لأسباب تتعلق باتحاد الكتاب العرب وختمت المبادرة ولم تنشر حتى الآن. فسابقاً كان هناك تعاون مع دار الدون كيشوت مع وزارة الثقافة الإسبانية لترجمة كتب من الإسبانية إلى العربية وطرحها في أسواق سورية وعربية، وتم إنجاز من خمسة إلى ستة عناوين منها أسبانيا، تاريخ أسبانيا، مختصر الثقافة الإسبانية، رحلة على باي، رحلة إلى المغرب ولكن ببداية الحرب توقف هذا التعاون وهذا النشاط بسبب ظروف الحرب فضلاً عن مبادرة القصة القصيرة وأدب الأطفال والشعر، قدموا كتاب حرب الذرائع وهو يوميات الحرب على سورية وتم توزيع ٣٠٠ نسخة مجانية على معظم الفعاليات الثقافية في سورية وأرسلوا بعض النسخ إلى العراق ومصر والأردن.
وعقّب الأستاذ لوثر على النوعية التي يتم نشرها في السوق حالياً قائلاً: معظم ما ينشر في السوق يشعرنا بالخجل أحياناً ولكن للأسف دور النشر ليس لها علاقة بالموضوع فالمسألة عند المؤسسات الثقافية الراعية أو المشرفة على حركة الثقافة بالبلد، ولابد من تفعيل اتحاد الكتّاب العرب. فضلاً عن تفعيل دور المؤسسات المشرفة لدعم حركة النشر وحركة الثقافة في البلد.
لم تكن للأستاذ لوثر مطالب بل تمنيات لتحسين الوضع الثقافي بتفعيل دور المؤسسات الثقافية وأن يكون لديها برنامج وطني بنيوي صحيح لتدرس الوضع لنشر الكتاب ووضع المواطن، ووضع برنامج وطني لدعم النشر ودعم حركة الثقافة ودعم الإبداع والمبدعين، وهم بدورهم كدور نشر يعملون على تنفيذ هذا البرنامج الوطني الموضوع الذي لا يرى الأستاذ لوثر ملامح له ولا لأي مشروع وطني شامل وبنيوي حول موضوع الثقافة والنهوض بها إلى مستوى محدد أو توجيه الثقافة باتجاه الخط الوطني أو الخط الأخلاقي حتى الآن.
ختم الأستاذ لوثر كلامه بآمال كبيرة بالمستقبل القادم قائلاً: على الرغم من هذا الوضع السيئ بمجال النشر وكافة المجالات، أنا لست متشائماً، وأرى فسحة أمل قريبة بانتظار تعاون بين المؤسسات الثقافية والدور الصغيرة والدور الممولة فالأمور على خير والبلد مقبل على خير إن شاء الله.
رهام حبيب