الوحدة 17-8-2021
بداية يمكن لنا القول تعريفاً بأن مبدأ التخصيص هو تحويل الملكية العامة للمؤسسات والشركات وبعض المرافق الحيوية إلى الملكية الخاصة سواء كانت هذه الملكية محصورة في شكل أفراد أو نمط مؤسسات أو انها مُدرجة للتداول في أروقة سوق الأوراق المالية، ولعل من أهم سمات التخصيص هو أن تُصبح الملكية أداة لتحفيز الإدارة باتجاه الكفاءة وحُسن الأداء ورفع معدلات الإنتاج وتقليص النفقات ووقف الهدر ولقد كانت محاور الشكوى الدائمة والمُزمنة في الملكية العامة للمؤسسات والشركات تتمحور في الإهمال التام لمسألة الكفاءة والأداء من قبل عدد كبير من الإدارات إضافة إلى عدم الاهتمام بقيمة وأهمية المال العام المُخصص لهذه المؤسسات سواء كان ذلك مُبوباً كرأسمال أو حقوق ملكية أو تمويلاً على شكل قروض كما أن النفقات والتكاليف الإدارية المختلفة في بعض هذه المؤسسات تميزت بالمبالغة في حين لا تقابلها أية إيرادات مناسبة لإنتاج مردود متناغم حقيقة مع حجم التوظيفات المالية ولا يخفى على أحد بأن وجود قطاع خاص قوي وفاعل هو أمر أساسي وحيوي وضرورة ملحة وخصوصاً مع توافر قدرات مهنية عالية تُحسن الأداء وتُحقق بالفعل هدف الغاية المنشودة من التخصيص الذي قد يُصبح بلا جدوى إذا لم يؤدِ القطاع الخاص مهمته الموكلة إليه بنفض تراب الاعتماد على الحكومة والبحث بجدية عن مصادر دخل وفيرة غير تلك التي تُوفرها الدولة.
ثمة العديد من الأسئلة المُثارة حول التخصيص وخصوصاً فيما يتعلق بالمؤسسات الخدمية العامة ولعل أبرزها هو: هل سينتج عن التخصيص قيام احتكار خاص يحل مكان الاحتكار العام ومن بعد ذلك سترتفع الأسعار على كل مُستخدمي الخدمة وعموم المُستهلكين وعليه فإن تحسين الأداء وخلق جواً من المنافسة يجب أن يُواكب ويُلازم عملية التخصيص لتتمكن شتى المؤسسات والشركات من تخفيض تكاليفها وتسعير خدماتها بما يتناسب مع غالبية مصالح المُستهلكين، ومن المعروف بأنه كان يُعاب على المؤسسات والشركات العامة أنها كانت تخضع للأساليب البيروقراطية والأنماط الروتينية ولا تتطور بوتيرة عالية تُواكب التقدم في درب الأساليب الإدارية الحديثة وكذلك لا تنتفع من ثورة عالم المعلومات وتطورات التكنولوجيا ولا تستفيد منها بهدف تحسين أداء أعمالها وبيت القصيد هنا بأن لُب المطلوب من التخصيص هو توفير إدارة مؤهلة وقادرة على إيجاد أرضية راسخة وصلبة وبيئة عمل مميزة عما توفره عموم القطاعات الحكومية وكذلك تحويل هذه المرافق والأصول الحكومية إلى قطاعات ناجحة وأصول منتجة ومُدارة على أسس مهنية فعلاً وبخبرات مشهود لها، وإلا فإن الغرض المأمول من فكرة هذا التخصيص قد لا يُقنع قطاعاً كبيراً من غالبية شرائح المجتمع المختلفة.
لا شك بأن عوامل الانتقال ورياح التغيير نحو التخصيص والاعتماد على شرائح العمالة الوطنية لن تكون يسيرة وربما تستدعي المُرور بمخاض وطني قاسٍ وعسير للتكيف مع هذا التحول الاقتصادي وما يتطلبه من تضحيات وتغييرات في جوهر العمل وآلية الإجراءات، ومن المعلوم للجميع بأن أهم وأدق وأصعب مُعضلة في نفس الوقت اقتصادياً واجتماعياً هي معضلة التعامل مع العمالة فكما هو معلوم فإن العمالة في القطاع العام تتمتع بامتيازات مهمة ولا تُقاس في الغالب بمقاييس الكفاءة والإنتاجية وعند التحول إلى الخصخصة فإن الإدارات الجديدة ستحاول تعديل الامتيازات وسُلم الأجور وكذلك اتخاذ بعض القرارات بخصوص تخفيض العمالة الفائضة إضافة إلى تعديل ساعات العمل واتباع أداء مختلف ونمط عمل مغاير عما كان مألوفاً في القطاع العام، و بناءً عليه فلا بد من إيجاد بدائل اقتصادية مقبولة اجتماعياً لإقناع شتى الفئات العمالية بجدوى التخصيص والعمل بما هو متاح لإعادة تأهيل العمالة وتهيئتها للعمل في بيئة اقتصادية تعتمد على الكفاءة والتميز والمبادرة الحرة، وتجدر الإشارة إلى أحد أبرز وأجدى الحلول المُتبعة والمتمثلة في إحالة عدد كبير من أعداد العمال إلى التقاعد حتى و لو كان مبكراً بغية تخفيف أعباء التشغيل وإنهاء وضع صورة البطالة المُقنعة في العديد من الشركات وكذلك المؤسسات والموافق الحيوية ومختلف القطاعات الخدمية المُراد تخصيصها، ومن المؤكد في هذا السياق بأن هناك تكاليف عالية ستنتج عن هذا التقاعد المُبكر إلا أنها تظل أفضل اقتصادياً من وضعية بقاء هؤلاء العمال في حالة بطالة مُقنعة.
د. بشار عيسى