الوحدة 29-6-2021
يُعتبر القانون في معناه الحديث من أهم مظاهر السلطة، وهو التعبير المباشر عن الدولة ممثلة في سلطتها التشريعية، ولا يختلف جوهر القانون في الدولة الحديثة عن القانون في الماضي، فهو نوع من المعيار الذي تُقاس على أساسه التصرفات، كما أنه تحديد للأطر التي تتم داخلها علاقات الأفراد في علاقاتهم الخاصة، وأيضاً ضمان لإنفاذ الإرادة ما لم تصطدم بنص قانوني آخر يُخالفها، وهذا هو ما يُسمى القانون الخاص، وهو القانون الذي يُنظم العلاقات بين أشخاص متساوين أمام القانون، ومثال ذلك علاقات البيع والشراء واستثمار الأموال وإقامة شتى الشراكات وتبادل السلع وحقوق الملكية التي تُعد أساس ذلك كله، وأما القانون العام فهو الذي يُنظم سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويُبين كيف تتكون تلك السلطات، وما طبيعة اختصاصاتها، وكيف تباشر تطبيق تلك الاختصاصات، وما هي علاقة كل سلطة بالأخرى، وما علاقاتها بالأفراد، وحقوقهم تحت مظلة تلك السلطات، ويأتي تحت عنوان القانون العام كل من القانون الدستوري وقانون السلطات العامة والقانون الجنائي، وقانون حقوق الأفراد وحرياتهم.
تعالت الأصوات بوضوح خلال السنوات الماضية مطالبة بتطبيق سيادة القانون، ومعاقبة المُسيئين والمُقصرين، وتعزيزاً لحقوق الدولة وسواد المجتمع كعُرف اجتماعي بعيداً عن سلطة المتنفذين، وتسلط المحسوبيات التي تحرف الحقائق وتطمس الوقائع، وتجعل الباطل حقاً والزور عُرفاً، ومن المعلوم للجميع بأن الدولة لا تُباشر سلطتها من فراغ، وإنما تُباشرها في إطار القانون الذي يرسم حدود السلطة، وكيفية ممارستها، حتى تكون كل التصرفات مشروعة قانوناً، وهذا ما يُعبر عنه بعبارة (سيادة القانون) التي تتردد دائماً، وكثيراً في كل كتب الفقه والتشريع، وعلى ألسنة الناس وفي ردهات المحاكم كافة، ولا يخفى بأن سلطة الدولة مقيدة وغير مطلقة، كون القانون الذي يُعد تعبيراً عن إرادة الدولة هو بحد ذاته الذي يُقيد سلطتها، وفي تسليط للضوء على عبارة سيادة القانون فيمكن القول بأن معناها يتجلى في أن روح القاعدة القانونية الصادرة تحكم الناس جميعاً، حاكمين ومحكومين، وهي فوق الإرادات جميعاً، وهذا ما يميز سلطة الدولة التي يحكمها و يسودها القانون.
سُنت مختلف الشرائع منذ القدم لتنظيم شتى صور العلاقات الاجتماعية، وحماية مصالح الناس وحقوق الدولة، وكذلك شتى شرائح المجتمع من تأثير التجاوزات ومفاعيل الانتهاكات، وذلك لما يُمثله القانون عند تطبيق بنوده بحذافيرها حسماً وحزماً من خلال بسط سلطة الدولة، ومدّ نفوذها وسيادتها على كامل أراضيها وحدودها، كما وتتدرج القواعد القانونية بحيث يلتزم أدناها بأعلاها، وتأتي قواعد القانون الدستوري فوق القواعد القانونية جميعاً، ومن هنا قيل بارتفاع مراتب عموم القواعد الدستورية سمواً على ما عداها، ووُجدت قاعدة دستورية القوانين بمعنى اتفاق القوانين مع جوهر الدستور فإن هي خرجت عليه وزاحت عنه كانت عندها غير دستورية، وفقدت أساس مشروعيتها، ومن المؤكد للعيان قولاً وفعلاً بحق بأن القانون يبقى دائماً هو المُنظم والمعيار في رحلة البشرية الطويلة على مر العصور تحت ظله وفي كنفه وبين كفتيه.
د. بشار عيسى