وقال البحر … إيقاع الحياة…

الوحدة 25-5-2021

 

كثيراً ما يُوجه اللوم لجيل الشباب ويُتهم بالعناد والغرور وعدم التماسك وفقدان الانتماء والإحساس باللامبالاة، وكثيراً ما تنطبق هذه الأوصاف التي يُطلقها عدد لا بأس به من الحكماء على شباب هذا العصر مع تكرير هذه الصيحات تجددها بتجدد هذه الأجيال اليافعة، واللافت لحدقة الناظر أن الكثيرين من شباب هذا الجيل يُعانون من حالة الاغتراب وفقد القدوة وهذه ظاهرة خطيرة جداً وحقاً تستدعي الدراسة ملياً وبتأنٍ بالغ ويُؤكد الخبراء بأن تعاقب الأجيال أمر طبيعي في مسيرة محطات الزمن ولهذا فالسلف يُورث الخلف عاداته وتقاليده ومعتقداته وقيمه، ومن ثم يزيد عليها الخلف ثم يُورثها بدوره لمن يأتون خلفاً له وهذا ما يُسمى توريث الأجيال لبعضها البعض ثقافة المجتمع وكل ما هو سائد من صور وأشكال الماديات وجوانب المعنويات، ويستطرد بعض المفكرين بالقول بأن جيل الشيوخ هو أكثر حكمة بينما جيل الشباب يُعد أشد قوة.

ينظر البعض للأيام الخوالي السابقة على أنها أسعد حالاً من حاضرها وفي الواقع فإنه في كثير من الأحيان والمواقف تكون أيام الوقت الحاضر أفضل بكثير من أيام العصر الماضي وذلك نظراً لانتشار صور التعليم والمعرفة وكثرة الخبرات وتطور وسائل التواصل والاتصال، وما دامت هناك أجيال فإيقاع الحياة هو المختلف وقد كان هذا الإيقاع قديماً بطيئاً لدرجة أن عدة أجيال كانت تشترك في كل شيء وأما الآن فسرعة الإيقاع تجعل الفروق والمسافات بين الأجيال كبيرة جداً، وقد انعكس الكم الهائل والكبير من التقدم والتطور على طبيعة القيم السائدة نتيجة صعوبة التواصل وهذا ما يجعل الأمور تتطلب نوعاً من الحكمة في ماهية تبادل الاعتماد بين الجيل القديم (الأجداد) الذي يقدم الحكمة والجيل المتوسط (الآباء) الذي يقدم العمل والجيل الجديد (الأبناء) الذي يقدم التكنولوجيا وهنا تماماً يحدث النجاح والتميز عوضاً عن الفجوة والصراع لأن لكل جيل قيماً وسلبيات وحسنات وسيئات.

تُعتبر المثابرة والصدق مع النفس والإحساس بقيمة العمل من قيم الأجيال القديمة بينما يُعد الطموح وإطلاق الخيال الحر من سمات معظم الأجيال الجديدة ولكي يتم التفاعل الإيجابي بين كل هذا فلا بد توفر ميادين عمل مشتركة لتحقيق كل ذلك، ويُعد القرب الجغرافي أو القرب العاطفي مع الانفصال الجسدي وتواصل حبال الحوار عوامل حيوية فعلاً لحدوث التقارب ورغم أن التواصل هو إحدى دعوات الصحة النفسية للجميع دون استثناء فإن كل جيل يميل لإثبات وجوده و إبراز كيانه وكشف إمكانياته في جوانب المجتمع برمته مع مراعاة الانتباه لعامل العزلة الذي يأتي مع تصميم وتحديث المجتمع المعاصر ويُشعر المرء بداية بالاغتراب وصولاً لبداية الاضطراب النفسي أو الاتجاه الاكتئابي.

من وجهة نظر الخبراء في علم الاجتماع فإن تفكك عقد الأسرة (التي كانت في طبيعة استاتيكية مستقرة لا تتغير سريعاً ولا كثيراً) بشكل غريب وغير مسبوق رافقه تفشي للأمراض النفسية والعقلية.

وصحوة الصراع الطبقي الأشد حيرة مجدداً بصورة لا يتخيلها عقل المرء من خلال ظهور التعالي في صفوف البعض على حساب الانكسار الواضح في صفوف البعض الآخر، وإذا تم إضافة العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسكانية المتردية في أغلب أصناف المجتمعات والتي ضاعفت قتامة الصورة وسوداوية الواقع الصعب فإن نمط الصراع التقليدي في الأسرة المعاصرة قد أخذ شكلاً هجيناً سيؤثر على طبيعة وشكل الأجيال التي من المفترض أن تكون أكثر علمية وأعمق ثقافة وأشد تعقلاً مما سبق.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار