بين الشط والجبل .. رسالة أم غزّاوية

الوحدة 19-5-2021

 

ولدي.. علّمني غيابك أن أسوّر قلبي بوجعي، وكنت أحسّ بأن تنهداتي تضيء كرومها، وتفرش عناقيدها على بيادر الأحلام، وكنت كلما رأيت غيمتين متجاورتين أحسّ أنهما تشبهان كفيك وأن تلك الذؤابة التي تتقدمهما إنما هي بارودتك، وكنت أعلم أيضاً أن بينهما ملائكة يحرسون خطواتكم، وكلما أوشك قلبي أن ينام كانت تزورني صورتك المسوّرة بالفاتحة، فأجثو على عتبات حروفي، وأغادر وجهي إلى حيث الآيات السبع.

×××

لقد انتظرتك عمراً من الثلج على عتبة الليالي، وكان الزمان الراكض أبداً يسرع تارةً ويخفت تارة أخرى، وكانت خطواتي تتكسّر فيما بينها، وعيناي تسوحان في المدى، وحين انشقّ باب الرؤيا ضيعّ خطواتي وتجمدّت نظراتي على عينيك فخدّيك، فقامتك كلها، ومن ثم استقرتْ على بارودتك المسترخية على كتفك، كنت أعرف أنك ستعود من المعركة وأن تلك المعركة ستكون بداية عمرك الجديد.

×××

أعرف أن فمي مملوءٌ بالصراخ، لذا لجأت إلى هدأتي وعمدّت بالفرح نبض التلاقي، وتوقفّت أصغي إلى حشرجات القلب التعبِ وحاولتُ جاهدةً أن أؤاخي بين عينيك وشفتيك فعبقت روائح الياسمين وانطلقت كلمات توشوش الخلجات ترجوها أن تهدأ لكي أستمتع باحتضانك.

×××

أعلم جيداً أنكم ما ذهبتم للقتال كي تنالوا أوسمّة ونياشيناً بل ذهبتم لأمرين اثنين إما الشهادة في سبيل الله والوطن أو النصر الذي ستصنعون منه تاريخاً جديداً يليق بدمائكم.

×××

أقرأ الآن رسالتك وفيها تقول: أشعر أن يدي وعقلي ونظراتي كلّها تشابكت في أخمص بندقتي وإنني من حيث أنا ذاهب أرقب شهادةً تعزّني ,و أظنيّ سأنالها، فإن كانت لي يا أمي فلا تسكبي دمعاً لأجلها بل أرسليها زغردات تملأ المدى.

×××

ولدي أنا الآن أراكم جميعاً وأعلم أن “غزة” التي تحاربون لأجلها ليستْ فكرةً وحسب إنها بيوت وخضرة وتراب وبشر إنها المسيح وأحمد وكل الأنبياء وها في قبضة يدي كمشة من تراب غزة تلك التي جعلتها ذات يوم وقلت بأنها كانت تمدني بالقوة كلما ضغطت عليها وها أنا الآن أضغط عليها فأحسّ بقوةٍ عظيمةٍ تتغلغل إلى مفاصلي وتمنحني نصراً رغم ما أفسده فاسدو الزمن الرديء.

سيف الدين راعي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار