وقال البحر … خمسة طبول.. خمس سنين

الوحدة : 17-5-2021 

 

(ليس كقلب المرأة من قلب في هذا الوجود, ينبض بحب وسلام, إذ ليس من قلب, كقلبها, يلتاع من الحروب). د. نجاح العطار

منذ أربعين, وما يزيد ودْعتهُ بلوعة.. خفق قلبها حزناً على فراقه..

وانسكبت دعواتها غزيرة كدموعها: وفقه يا رب! أعده سالماً يا رب.. وفرّح قلبي به يا رب!

وكم هو الخوف كبير في قلوب الأمهات وقت يودعن أبناءهن الذاهبين إلى ميادين الحروب؟!

نذرت على نفسها حين يعود محمد… أن تقف أمام عتبة كل بيت في قرية (خربة الجوز) قريتها.. تنزع منديلها عن رأسها, وتمده على عتبة كل بيت ليطئه بقدميه كل خارج, وكل داخل.. حين يعود محمد.. وأقسمت أيضاً.. أنها ستحضر خمسة طبول مع خمسة قارعين من أبرع وأمهر قارعي طبول (زنزف) ليشعلوا الفرح في قلوب أهل قرية خربة الجوز وجوارها.. وعلى صوت قرع الطبول سترقص, وترقص حتى الصباح, ملوحة بالمحرمة التي طرزت عليها أخته زهرتين وبسم الله.. والتي أهداها إلى زوجة عمه كذكرى عندما ساقوه إلى الحرب..

وبدورها زوجة عمه أعادت الهدية لأمه.. كي لا تفارق رائحته البيت.. فعلقتها فوق مرآة بيتهم الطيني لتكحل عينيها كلما استيقظت برؤيتها وشمها.. تمرغ وجهها فيها.. تهز رأسها التياعاً: متى تعود؟ وهل سأراك يا محمد قبل أن أموت… وتنهمر الدموع..

ومنذ تلك الحرب.. إلى حروب مرت, تستيقظ أم محمد كل صباح.. تنتظر الخمس سنين.. والخمسة طبول والمنديل, رهن وصوله.. عشر سنين.. عشرون.. ثلاثون .. أربعون.. خمسون ومحمد لم يعد..

هذا الصباح لم تنهض أم محمد كعادتها.. لم تكحل عينيها برؤية المحرمة والزهرتين.. ولم تشمها.. ولم تبكِ.

هذا الصباح أغمضت أم محمد عينيها, وأسلمت الروح, ولما يعد محمد منصور من الحرب..

هذا الصباح وصلت جنازة الشهيد حمدان الورد إلى القرية: مؤكد أن أم محمد منصور لن تشارك في تأدية واجب العزاء.. غير أنهما سيتجاوران مع بقية الشهداء والموتى, الذين سبقوهم إلى مقبرة (خربة الجوز) باستثناء محمد منصور الذي لم يعد من الحرب أبداً.

بديع صقور

تصفح المزيد..
آخر الأخبار