الوحدة 11-5-2021
يتعرض الإنسان في لحظات كثيرة وساعات مديدة للعديد من المواقف التي لا يملك نفسه فيها بشكل تام، ووقتها تستبد به الحيرة، ويتملكه الاضطراب، وقد تمتد هذه اللحظات أياماً، وقد تطول لتصبح حالة نفسية مستمرة، لها آثارها وأبعادها ومنغصاتها، والتي ربما يُفسرها الآخرون عند شرحها وتوصيفها من قبل من تتملكهم المحن والأزمات وعواصف المشكلات بأنها حالة تسمى بالقلق، ويُصوره علماء النفس بأنه نذير بأن هنالك شيئاً سيحدث ليُهدد أمن الكائن وتوازنه وطمأنينته كتشبيه جرس الإنذار الذي يُقرع لمواجهة الخطر، ولعله من الصعب أو العسير وضع قائمة شاملة وكاملة بمعظم المواقف المثيرة للقلق إلا أن أغلب المواقف التي تُثير القلق تشترك فيما بينها بالخصائص التالية:
– التعلق بالمستقبل أو بأشياء مرتقبة.
– جميعها تنطوي على شيء مهدد ومخيف.
– التهديد في بعضها حقيقي فعلاً وفي بعضها الآخر ليس صحيحاً بل يراه المرء كذلك.
يُمكن تعريف القلق مُصطلحياً بأنه انفعال مُسرف في مدى حدته يملك على الإنسان مشاعره وتفكيره واستجاباته العضوية فيُصيبها بالاضطراب والتوتر، كما ويتسم بالخوف والتوجس من أشياء مُرتقبة تنطوي على تهديد حقيقي أو ربما مجهول، ويكون من المقبول أحياناً استيعاب من حالة القلق للتحفز النشط ومواجهة الخطر الذي يكون عادة خطراً متوهماً ومختلقاً، ومن المُلاحظ بأن التوتر النفسي والقلق يتملك المرء عند الإقبال على لحظة حاسمة ومن خلال هذا التوتر يُهيئ الإنسان نفسه ويتسلح بما يتوفر لديه من تراكم خبرة أو معرفة لمواجهة هذه المواقف بنجاح وتطوير الإمكانات نحو تحقيق الكثير من الغايات الإيجابية بعدسة منظار مختلف إضافة إلى تنشيط إمكانيات الإنسان النفسية والعضوية على حد سواء، ولا تخفى عن عين الناظر وبصيرة المُتابع بأن هناك من يتحدث عن القلق بأنه إرث ثقيل تم نقله من أسلاف الماضي إلى أجيال الحاضر، بينما البعض الآخر يحاول طرح المسحة الفلسفية على حالة القلق ليعتبره ضريبة يدفعها المرء لقاء وجوده حياتياً و أيضاً معايشته للعصر الراهن واقعياً.
تُعتبر التغييرات التي تُصيب معظم الناس في حالة القلق نموذجاً فريداً بحق تمس الأركان الرئيسية الثلاثة لشخصية أي فرد بشري وهي الجانب العضوي والجانب الوجداني ومن ثم جانب التفكير، فمن الناحية العضوية العضلية تحدث في حالات القلق تغيرات عديدة أبرزها تسارع وتزايد دقات القلب والتعرق الشديد وانحباس الصوت أحياناً والدوخة وحتى التنفس السريع المتلاحق، وأما من الناحية الوجدانية فيكون الانفعال الغالب هو الخوف والتوجس وليس معروفاً ما إذا كان الخوف هو من يدفع لإثارة مجمل التغيرات العضوية واضطرابها والعجز عن التحكم بها وضبطها ضبطاً ناجحاً.
د. بشار عيسى