أيهما أفضل … أن نستورد القمح أم نزرعه؟

الوحدة 22-12-2020 

 

الحديث عن الأمن الغذائي مرتبط بالحديث عن القمح الذي يعد المحصول الاستراتيجي الأول في سورية, وعلى أهميته كان لابد من أن يتصدر اهتمامات مراكز البحوث العلمية الزراعية للحفاظ على الأمن الغذائي. توقفت عند رسالة الماجستير في الهندسة الزراعية للدكتورة جيهان عيسى متوج بعنوان (أثر معدلات البذار والنباتات المختبرة في إنتاجية ونوعية بذار القمح لعام 2003 في مقدمتها: طرح مفهوم الأمن الغذائي) نفسه بشكل جدي خلال العقود الثلاثة الأخيرة, خصوصاً بعد أن أصبح إطعام سكان العالم أحد التحديات الكبرى التي تواجه الدول المختلفة في الألفية الجديدة, حيث أن 800 مليون نسمة لا يحصلون على ما يكفيهم من الغذاء, ويعاني /2/ مليون نسمة من سوء التغذية أغلبهم من البلدان الفقيرة في الجنوب ويعود السبب بصفة أساسية إلى عدم مواكبة معدلات نمو الإنتاج الزراعي لمعدلات نمو الطلب المتزايد عليه نتيجة النمو السكاني وإنتاج المواد الغذائية في الوقت الحاضر ليس موزعاً بالتساوي بين بلاد العالم، لأن العوامل البيئية حددت الإنتاج في مناطق معينة من العالم دون المناطق الأخرى, ولذلك فسكان الأقاليم التي لا يتوافر فيها الغذاء بسهولة يتعرضون لكل أمراض نقص الغذاء والإرهاق الجسماني والخلل الاجتماعي.

ولا يمكن حل مشكلة نقص الغذاء بنقل المواد الغذائية من بلد إلى آخر لأن زيادة السكان شاملة, بل إن حل هذه المشكلة في بلد ما لابد أن يعتمد على سكانه بالدرجة الأولى. علماً يغطي الوطن العربي المساحة العظمى لمنطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا لكن ما يستغل من الأراضي العربية القابلة للزراعة لا يتجاوز 27,8% من مجمل المساحة الكلية القابلة للزراعة, والباقي يترك دون استغلال بالإضافة إلى هدر المياه المستخدمة في الجزء المروي حيث لا تتجاوز الكفاءة 50% لأن 90% من أنظمة الري المستعملة في الوطن العربي هي ري سطحي لتضيع كميات كبيرة بالتبخر.

لمحة تاريخية عن القمح

يعتبر القمح من أهم المحاصيل النجيلية الحبية, حيث زرع منذ ما يقارب تسعة آلاف عام, ويأتي هذا المحصول في المرتبة الأولى من حيث المساحة المزروعة والإنتاج والاستهلاك. وتنتشر زراعته بشكل واسع في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية بنسبة 90% من المساحة المزروعة بالقمح تقع شمال خط الاستواء والمناطق الرئيسية للإنتاج في العالم تقع شمال خط العرض /40/ والوطن العربي يقع على أطراف هذه المنطقة, ويزرع القمح فيه بمساحات كبيرة.

ويغطي القمح القاسي10% من مجمل مساحة الأراضي المزروعة بالقمح في العالم و 50% من هذه المساحة يقع في البلاد النامية, وحوالي 80% منها يقع في غرب آسيا وشمال إفريقيا فيما يعتبر القمح الطري عنصراً هاماً من عناصر الفصيلة النجيلية ومن أكثر نماذج القمح انتشاراً في العالم.

وتجدر الإشارة إلى أن الأصناف المزروعة في العالم العربي كانت إلى مدى قريب أصنافاً محلية ذات إنتاج منخفض أو أصناف عالية الإنتاج تحت ظروف الري, لكنها غير مقاومة للجفاف والإجهادات الأخرى. تغير الوضع باتجاه تعويض هذه الأصناف المحلية, أو تلك غير المقاومة بأصناف جديدة ذات إنتاج عال ومقاومة للجفاف, مما انعكس إيجاباً على زيادة الغلة المأخوذة من وحدة المساحة, والعامل الرئيسي الذي ساعد على ذلك هو غنى الوطن العربي بالمصادر الوراثية التي تعتبر مخزوناً هاماً للمورثات الخاصة بمقاومة الإجهادات البيئية المختلفة التي يجابهها محصول القمح في المنطقة العربية إضافة إلى محاولة المزارع استخدام الري التكميلي كخطوة لدفع أصنافه الجديدة لإعطاء أعلى غلة ممكنة.

الأهمية الاقتصادية للقمح في القطر العربي السوري

تعد سورية من أحد المواطن الرئيسية للقمح , حيث يمكننا رؤية بعض الأنواع البرية تنمو في عدة مناطق, كما لاتزال تشاهد حتى الآن بعض الأنواع الأولية للقمح في مناطق متفرقة بالقطر. عانت الأصناف المزروعة ولفترة طويلة من عدم نقاوتها, إلا أن هذا الوضع تغير للأفضل بعد توفر المؤسسات المعنية بتربية القمح وإكثاره وإنتاج البذار النقي والمحسن, وقيام (إيكاردا) ومراكز البحوث الزراعية السورية بإنتاج أصناف ذات إنتاجية عالية وتسليمها للمؤسسة العامة لإكثار البذار التي تعمل على إكثار البذار وتحسينه وتعقيمه وتوزيعه على المزارعين لذلك نجد أن الغلّة الحبية ازدادت منذ بداية التسعينات دون الزيادة الملحوظة في وحدة المساحة . ويعتمد المواطن السوري على القمح بشقيه في غذائه بشكل رئيسي, لأنه يشكل المادة الرئيسية لصناعة الخبز اليومي, إضافة إلى استخدامه في تحضير وصناعة العديد من المواد الغذائية والمعجنات.

واقع القمح وإنتاجه قبل عام 2011

قبل عام 2011 وصلت سورية إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي مع تحقيق الأمن الغذائي وسنأخذ مثالاً : في عام 2007 وصلت المساحة المزروعة إلى /1,7/ مليون هكتار لتنتج (4) ملايين طن من القمح فيما الاستهلاك المحلي كان (2,5) مليون طن سنوياً, ليتم الاحتفاظ بالفائض عن حاجة الاستهلاك السنوي بالصوامع لمدة سنتين.

نستورد القمح أم نزرعه؟

بسبب الحرب على سورية, ثم خروج مساحات شاسعة من مناطق زراعة القمح في شمال وشرق سورية عن سيطرة الدولة تدهور الأمن الغذائي المتعلق بالمحصول الاستراتيجي الأول لكن لم تتوقف الدولة يوماً عن إنتاج وتصنيع رغيف الخبز رغم الاختناقات، ليبدأ استيراد القمح في عام 2013.

هل من حلول لعودة الأمن الغذائي؟

بعد الحصول على درجة الماجستير, تابعت الدكتورة جهان عيسى متوج أبحاثها للحصول على درجة الدكتوراه بعنوان ( الربح الوراثي في الصفات الشكلية والفيزيولوجية لتحمل الجفاف في القمح القاسي) وتم العمل في حقول ومخابر المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) بالتعاون مع جامعة حلب, والمؤسسة العامة لإكثار البذار.

سألت د. جهان: مع عودة الأمن والأمان لمناطق عدة في سورية ومنها (سهل الغاب،  حوران، ريف حلب، ريف حمص) والتي يمكن أن تشكل نصف المساحة الكلية لزراعة وإنتاج القمح بالإضافة إلى نشر زراعته على امتداد المحافظات المستقرة, هل بزراعتها واستثمار هذه الأراضي يمكن أن نخفّض العوز للقمح أو الاستيراد؟

قالت: بعد عودة قسم من الأراضي الصالحة لزراعة القمح إلى السيادة السورية, يجب العمل على تعزيز المؤسسات البحثية المعنية بتطوير وتحسين الطاقة الإنتاجية للأصناف المتداولة والعمل على استنباط أصناف جديدة ملائمة لهذه المناطق, من خلال برامج تربية قائمة على أسس علمية متينة, للوصول إلى أصناف ذات غلة عالية, مقاومة للأمراض, متحملة للإجهادات البيئية، معتمدين في عملنا هذا على أحدث التقانات العلمية المستخدمة في العالم كالبيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية, لاستغلال المساحات الموجودة تحت السيطرة بالصورة المثلى إجمالاً، ونحافظ على ما لدينا, وسورية الموطن الأصلي لكل أنواع الأقماح علماً أن تعاون مراكز البحوث العلمية الزراعية مع المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) والمركز العربي للدراسات الزراعية في المناطق القاحلة (إكساد) انعكس علينا إيجاباً كي نتوصل لأصناف ممتازة لا نزال نتداولها بقوة.

وداد ابراهيم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار