لا رمش يهتزّ ولا عين تبكي… عندما يتراكم الفشل!

الوحدة 13-10-2020

 

قتل طالب في الصف الثاني فرخ بط في إحدى الرحلات المدرسية، فوضع وزير التربية  استقالته على الطاولة عندما سمع بالخبر(المفجع).

القصة حصلت في بلد أوروبي، وعزا الوزير سبب استقالته إلى أن المناهج لديهم مختلة، فلو أن الطالب (الطفل) يعرف أن هذا العمل غير إنساني لما قام به، وبناء عليه، حمّل الوزير نفسه مسؤولية الحادثة، وقرر الرحيل على الفور.

لا تخافوا، فالقصة للاستئناس فقط، ولن نطالبكم بتحمل المسؤولية، وتقديم استقالتكم بعدما حُرق الأخضر واليابس، لأننا نؤمن بالمقولة الشهير:

(إن أردت أن تطاع، فاطلب المستطاع)، وظننا لم يخب يوماً بمسؤولي بلادنا، فهم قادرون على مراكمة الفشل لسنوات دونما اهتزاز لرمشهم، والشواهد لا تعد ولا تحصى.

عن سبق معرفة!

مذ كنا أطفالاً، كنا نسمع ممن يكبرنا بأن الحرائق تحصل غالباً عندما يتحرك الهواء الشرقي الحار، لأن البيئة تصبح جاهزة لتلقف أي شرارة عابرة.

لا نظن أن هذه المعلومة غائبة عن أذهان المسؤولين، فالصغير يعرفها قبل الكبير، والعدو  ليس بالضرورة أن يكون عالماً كي يدرك أن يوم الجمعة الأسود كان مناسباً جداً لارتكاب فعلته الشنيعة.

ضمن هذه التفاصيل المعروفة، لا بد من وجود مسؤول عن الإهمال والتراخي في التحضير لموجة الحرائق (وكأنها واقعة)، فعندما تحضر المعلومة عند طفل لم يبلغ الحلم بعد، وتغيب عن ذهن المعني المباشر، سنكون أمام مشهد أسود كالذي رأيناه، وسيعاد المشهد مرات ومرات  في المستقبل، ولن تنفعنا كل حسرات هذه الأيام ، وستكون هذه التجارب نسياً منسياً، فهل بات الدرس واضحاً، أم نحتاج إلى دروس خصوصية؟.

قلة التجهيزات وحديث الشارع…

في أوج الحريق خرج رئيس قسم إطفاء جبلة ببث مباشر على إحدى صفحات التواصل الاجتماعي، وقال(بتصرف):

لدينا نقص في التجهيزات، فالقسم قائم على ثلاث سيارات إطفاء، تعطلت واحدة اليوم (طرمبة ماء وكوليات)، وبقيت اثنتان في الخدمة.. انتهى.

هذه المعلومة البسيطة يعرفها القاصي والداني، ولا تغيب عن أذهان مسؤولي المحافظة والمركز في آن واحد، فكيف لثلاث سيارات إطفاء أن تغطي مساحة جغرافية كبيرة؟، وكيف لرجال الإطفاء أن يتعاملوا مع موسم حرائق لا يرحم؟، اسألوهم بالله عليكم عن التجهيزات، وعوامل الأمان، وعن كفاحهم المرير في إيجاد سبل التعاطي مع الحرائق، لتعرفوا أن الوجع لا يقتصر على حالة استثنائية خارجة عن المألوف.

سيقول المسؤول: نحن في حالة حرب وحصار وعقوبات، ولا قدرة لنا على الحراك، ونحن سنقول له:

اسأل من كان بها خبيراً، وراجع سجلات ما قبل الحرب، لتعرف أن التخاذل والتكاسل في رفد أقسام الاطفاء بما يلزم ليس وليد اللحظة، بل تاريخ (عريق)، وماض غير مجيد.

يقول الشارع في جوابه على شماعة الحرب والحصار: كيف لسيارة فارهة من مواليد ٢٠٢٠ أن تسير على إسفلت الوطن بكل عنجهية، ولا يكتب الأمر ذاته لسيارة إطفاء حديثة؟، وكيف لحكومة أن تسمح باستيراد السيارات في زمن الحرب، ولا تقدر على استيراد الإطفائيات؟، ابحثوا عن الجواب، ووافوا الشارع به، ونحن بانتظاركم.!

لعل وعسى…

لعل هذه الحرائق تفتح عيون المسؤولين في المركز على ما نعانيه في ساحلنا وجبالنا، التي كانت خضراء، وستعود خضراء بسواعد أبنائها.

لعلها، تلفت انتباههم الى أن عاصمة المياه عطشت طيلة الصيف الفائت، وبكى شجرها ونبتها في موجات الحر القاتلة، ووصل أنين جيران نهر السن عنان السماء.

عساهم يلتفتون الى طرقاتنا وأحراجنا البعيدة المنال، ولعلهم يتفحصون مراكز الإطفاء ليعرفوا بأن تجهيزاتها لا تساوي تجهيزات مخفر حراجي في بلد محترم.

لعلهم ينتبهون إلى مدارسنا، وخبزنا، ووقودنا، ويشيحون بنظرهم نحو شاهدات قبورنا، ويلحظون كم قدمت هذه الأرض من دماء ليحيى الوطن، وكم حاز أبناء الأرض (المحروقة) قصب السبق في بذل المهج، لنعيش بكرامة ورؤوس مرفوعة.

لا للطم والعويل…

لأننا في بلد تكالب عليه العالم بأسره، وتآمر عليه القريب والغريب، لا يسعنا إلا التكيف مع الواقع، والتعاطي معه بروح الجندي المنتظر لرصاصة غدر من آثم حقير.

شئنا أم أبينا، نحن في وجه العاصفة، ولن ينفعنا النحيب واللطم والعويل، فقد قررنا منذ البداية أننا على نقيض تام من الركوع لغير الله، وقدمنا لأجل ذلك الغالي والنفيس، وما هي إلى دورة حياة سريعة حتى نحصد ثمن ما بذلناه، ويعود كل شيء كما كان ،أو نموت فداء لما نؤمن به.

نحن شعب لا نطيق أن ينظر لنا بعين الشفقة، فقد اعتدنا أن نموت واقفين كما سنديان غاباتنا المحترق، ومن أحرق لباسنا السندسي، يجهل تماماً أن نسغنا مازال رطباً متهللا لإعادة دورة الحياة، كي نورق من جديد، ونتغنى بخضرتنا وفرعنا الباسق كما كنا.

هي فرصة لإعادة ترتيب كل شيء، وفسحة لتقوية هذا الغطاء الأخضر بما يجلب النفع المديد على البلاد بأكملها، فنحن رغم المصاب مستبشرون بالخير دائماً، ونعول على تحويل هذه الفاجعة إلى مشروع تنموي يعم هذه الجبال، ويحولها من حراج يعبث بها العابثون إلى مصدر للعيش حين نزرعها من جديد بأشجار مثمرة مقاومة، لتصبح حمايتها من أولويات المجتمع.

ستعلمنا هذه المحنة أن نكسر يد كل مستهتر، وستحول كلاً منا إلى إطفائي متوثب لقمع من تسول له نفسه إشعال كومة قش بالقرب من غابة أو بستان، لأننا بالرغم من ظننا اليقيني بحقيقة افتعال هذه الحرائق، إلا أننا لا نشك بأن بعضها جاء بسبب الإهمال وعدم إدراك مخاطر التخلص من البقايا بطريقة غير مسؤولة، فالبكاء على الأطلال بات ممجوجاً، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج.

غيث حسن

تصفح المزيد..
آخر الأخبار