الوحدة: 31- 8- 2020
حدثني أنها كانت صبية جميلة مرحة وابتسامتها عذبة كالنور. هو الآن وحيد لا يعرف ماذا يفعل؟ أين صوتها الهامس؟ أين وجهها الأليف؟ وأذكر يوم أثار اهتمامي المقعد الخالي لعلهما مسافران أو مريضان وربما ذهبا إلى مكان آخر لا أعرف سبب غيابهما ولا أعرف أين يسكنان شعرت كأن الحديقة قد افتقدت شيئاً رائعاً. شعرت كأن المقعد ينتظر عودتهما بشوق ولهفة. تذكرت همساتهما المبعثرة خطواتهما البطيئة الهادئة، وها أنا أتنزه في الحديقة كما أفعل كل يوم. وجدت المرأة العجوز تجلس على ذلك المقعد الخشبي القديم وعكازها إلى جوارها دنوت منها قائلاً:
هل تسمحين لي أن أجلس على المقعد؟
وافقت بهزة رأس خفيفة. آه أيتها العجوز غاب رفيق عمرك ولم يبقى لك سوى الذكريات، لا أتساءل عن سر غيابه، وغياب عكازه، تلبس المرأة ثياباً سوداء وتبدو انحناءة ظهرها، ألمح مسحة من الحزن على وجهها تحوم حول المقعد أطياف عمرها، لن يجلسا معاً، ولن يقطع لها تذكرة سفر لتزور ابنتها، من يلقي عليها تحية الصباح وتحية المساء؟ كيف تواجه أيامها المقبلة؟ وكيف تستريح كتفها إلى كتفٍ أخرى؟ هل تشدها الذكريات الغابرة؟
هل تجد من تتنزه معه, وتعيش لأجله؟ هل تتابع أعوامها وحيدة؟ وتلتفت إلى ماضيها البعيد أم تتطلع إلى مستقبلها الغامض؟ يخيل إليّ أني أسمع صوت رفيق عمرها الغائب وهو يحدثني عن لقائه بها في المدرسة, وهي تصغره بسنوات لكنه أحبها حباً شديداً وقد منحته الفرح والعطاء. آه كيف يمضي الزمن؟ وكيف تمضي ساعات الغروب كل يوم والعجوز وحيدة؟ وبعد لحظات رأيت شفتيها تنفرجان عن ابتسامة رقيقة. يشرق وجهها, وهي تقف وتستند إلى عكازها لملاقاة أطفال يتسابقون وهم يصيحون بمرح.
يا جدتي … يا جدتي
يجلسون معها على ذلك المقعد الخشبي القديم، عيناها تبرقان بالحب أتأمل ملامحهم العذبة، إنهم يشبهون صاحب العكاز الغائب ويشبهون هذه المرأة ذات الثياب القاتمة، تستقبلهم بسرور ورجاء وتنحني عليهم كعريشة ياسمين.
عزيز نصّار