الوعود دائمة والنتائج غائبة.. السمك في بحرنــا موجود وعلى موائدنا مفقـود

العدد: 9555
الأثنين : 23 آذار 2020

 

تعتمد سورية في إنتاج الأسماك على ثلاثة مصادر رئيسة هي الصيد البحري، والصيد في المياه العذبة، والاستزراع السمكي في المزارع السمكية، ويمتد الساحل السوري على طول (180) كم، وتبلغ حصة الفرد أقل من (1) كغ سنوياً، ويبلغ المعدل العالمي لحصة الفرد من الأسماك حوالي (28) كغ في العام.
يعاني المواطنون وخاصة أصحاب الدخل المحدود من ارتفاع أسعار السمك البحري مقارنة مع دخلهم، وتخضع الأسعار لمبدأ العرض والطلب، فكلما زاد العرض قل السعر والعكس صحيح، فهل بقيت الثروة السمكية من مصادر الدخل الوطني وعاملاً من عوامل تحصين وتقوية الأمن الغذائي، أم أصبحت ثروة بلا رصيد، وهل تراجع الصيد، وقلة الأسماك وهروبها من شواطئنا سببه عوامل طبيعية فقط أم عوامل بشرية أيضاً، ما هي المقترحات، وأين الحلول، وما هو رأي أصحاب العلم والاختصاص؟
في هذا التحقيق عن واقع الإنتاج السمكي في المياه المالحة لا نبحث عن جواب لسؤال لماذا فقط ، بل نحاول الإجابة عن كيف أيضاً.

الوجبة الحلم
يقول المواطن علي ميهوب: عليك أن تصحح السؤال، وتسألني كم مرة أتناول وجبة السمك في العام وليس في الشهر، وعندما أشتري السمك مرتين أو ثلاث في العام فهذا لا يعني أني أكله بل أتذوقه، وتساءل علي: لماذا لا توجد مزارع أسماك بحرية وإذا كانت موجودة أين هو إنتاجها؟
وأشارت سميرة محمد إلى وجبة السمك ليست على قائمة المخصصات بسبب ارتفاع أسعاره، وهي تفضل السمك البحري بسبب مذاقه الطيب، وخلوه من الأمراض، وفوائده الصحية، ولكن سعر السمك جعله مثل المناسبات السنوية (زوروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة).
وقال يامن علي: من الأشياء المضحكة أو المضحك المبكي عندما يتصل بي أحد الأصدقاء من المحافظات الأخرى ويطلب مني أن أرسل له وجبة سمك، معتقداً أنه متوفر لدينا بكثرة، وبأسعار رخيصة كوني أعيش في مدينة ساحلية، فأجيبه عندما أشتريه لعائلتي أشتريه لك، لقد نسينا وجبة السمك ولا نتذكرها إلا إذا قمنا بدعوة أحد الأصدقاء المميزين على الغداء.
الجرف والصيد الجائر الداء وأصل البلاء
يقول الصياد أبو أحمد: نحن الصيادين نعتمد في معيشتنا على ما نصطاده من البحر بشكل يومي، وكلما كان السمك متوفراً أكثر كان عملنا أسهل، وكمية الصيد أكثر، وهذا ينعكس على المستهلك إيجاباً وذلك بتوفيره بأسعار مناسبة، ولو سألت أي صياد عن أسباب تراجع الصيد لأخبرك بأن السبب هو مراكب الجرف والصيد الجائر، لقد توقفت مراكب الجرف عن العمل نهائيا من عام 2005 حتى 2009 وتميزت تلك الفترة بوفرة السمك ورخص أسعاره، وإذا استمر الوضع هكذا نخاف أن يصبح الشاطئ لدينا مثل البحر الميت خالياً من الأسماك.
الصياد محمد فارس: أعمل في مهنة الصيد منذ أكثر من خمسين عاماً، وأملك (15) مركب صيد، وأكثر الأنواع التي نصطادها هي بلميدا، سنكنبري، غبص، عصيفر، ويزداد السمك بدءاً من الشهر الثالث وبخاصة السردين، وأضاف فارس: كان الصيد فيما مضى أفضل بكثير، والبحر أكثر وفرة بالأسماك، لكن الحال تغير وكمية السمك التي نصطادها تراجعت، فهناك أنواع كنا نصطادها بكميات كبيرة ولكن الأن انخفض صيدها بسبب قلة وجودها مثل السلطاني والقريدس، وهذا سببه الصيد الجائر (ديناميت، مراكب جرف… إلخ), ورغم وجود قوانين تمنع الجرف ماتزال هناك مراكب تمارس هذا النوع من الصيد، بالإضافة لمراكب جرف تعمل لصالح الهيئة العامة للثروة السمكية منذ عدة سنين تحت مسمى بحث علمي، ولتحسين إنتاجنا السمكي يجب القضاء على الصيد الجائر علماً أن الأشهر الأخيرة شهدت تراجع هذا النوع من الصيد بسبب زيادة المراقبة وتكثيف الدوريات، ونتمنى أن يسمح لنا الصيد بشباك شنشيلا في كل الأوقات وليس فقط من المساء حتى الصباح وذلك أسوة بالدول المجاورة فالأسماك التي يتم اصطيادها هي أسماك مهاجرة نوع (بلميدا، سردين، عصيفر…) فلماذا لا نصطادها نحن بدل أن يصطادها غيرنا، وأن يتم العمل على تضيق فتحات الشبك وفي حال تحسن واقع الإنتاج السمكي نعود إلى الوضع السابق لفتحات الشبك، وتحسن ثروتنا السمكية مرتبط باتباع الأساليب العلمية والسلمية والصحية في الصيد وتشديد العقوبات على المخالفين.
× ويعتبر رئيس جميعه الصيادين في مدينة اللاذقية نبيل فحام أن الصيد الجائر أحد أهم المشاكل التي تعاني منها الثروة السمكية، علماُ أنه صدر قرار بإيقاف كافة مراكب الجرف ولكن سمح لمراكب بالعمل لصالح الهيئة العامة للثروة السمكية تحت مسمى بحث علمي بعنوان (صيد القشريات في المياه الإقليمية السورية) ومازال هذا البحث جارياً منذ خمس سنوات تقريباً, والسؤال: ألم ينتهِ هذا البحث حتى الآن، علماً أن الجرف مصنف عالمياً بأنه صيد جائر يقضي على جميع الأحياء المائية من طحالب وأشنيات وأسماك وبيوض, وهناك اتفاق عالمي وعلمي بأن هذا الصيد يقتل الحياة البحرية فهل يحق للمؤسسة العامة للأسماك القيام بدراسات وأبحاث فيها جرف، وإلى متى يستمر هذا البحث العلمي، فعلى سبيل المثال سمك السلطاني لا يمكن اصطياده بكميات كبيرة طالما أن هناك مراكب جرف تعمل ويصل سعره حالياً إلى أكثر من (20000) ليرة وفي حال تم إيقاف هذه المراكب يصل سعره إلى (2000) أو (3000) ليرة بسبب توفره بكميات كبيرة.
وعن واقع الإنتاج السمكي الحالي والكميات التي يتم اصطيادها مقارنة بالأعوام الماضية قال فحام: الثروة السمكية في المياه المالحة في حالة تراجع وتدهور ونحن نتساءل: أين الجهات المعنية المكلفة بالحفاظ عليها وتطويرها، وأين الدراسات والأبحاث التي تقوم بها، وقد قمنا كجمعية بمخاطبة الجهات المعنية ووضعها بصورة الوضع الحالي ولكن دون جدوى، وما نطلبه هو إيقاف المجزرة التي تحدث بحق ثروتنا السمكية الوطنية والحفاظ على الأحياء البحرية كونها مورد دخل هاماً ووحيداً لآلاف العائلات في الساحل السوري وتوافرها بكميات كبيرة يسهم في خفض أسعارها بالنسبة للمستهلكين.
وأضاف فحام: نعاني أيضاً من قلة كمية المازوت المخصصة للمراكب حيث تبلغ الكمية (65) لتراً لمدة عشرة أيام وأحياناً لمدة خمسة عشرة يوماً، وإذا قمنا بتقسيم الكمية على عدد الأيام تكون النتيجة حوالي (5) لترات يومياً بينما نحتاج بشكل فعلي ما بين (15 – 20) لتراً يومياً وذلك حسب قوة المحرك ونوعه وعند انتهاء المخصصات نضطر إلى الشراء بأسعار مضاعفة.
ويمكن اختصار أهم المطالب بما يلي: إيقاف مراكب الجرف، زيادة مخصصات المازوت وأن يتم التوزيع بكازية قريبة من المرفأ, تحسين أوضاع الميناء، تشديد العقوبات بحق المخالفين، إعادة النظر بفتحات الشبك للصيادين لتصبح (16 أو 18) ملم بدل من (25) ملم كون السمك لدينا صغير ومهاجر بسبب ضيق الرصيف القاري.
تشديد العقوبات بحق المخالفين
وعن دور ومهام نقابة النقل البحري والجوي في تحسين واقع الصيادين ودعم الثروة السمكية قال رئيس النقابة سمير حيدر: تتبع لنا سبعة قطاعات منها قطاع الصيد البحري، وقد طالبنا بتشديد العقوبة بشكل تدريجي بحق من يقوم بالصيد الجائر, وأن
يتم سحب رخصة الصيد للذي يقوم بالجرف في حال تكراره المخالفة للمرة الثالثة، وقد تراجعت مخالفات الصيد خلال الأشهر الماضية بسبب زيادة الرقابة، ونحن على تنسيق دائم مع المديرية العامة للموانئ بهذا الخصوص، كما طالبنا الجهات المعنية بتحسين أوضاع الميناء، وزيادة كمية المازوت، وبالنسبة للبحث العلمي الذي ذكره الصيادون فقد تواصلنا مع الهيئة العامة للثروة السمكية وأخبرونا أن البحث ينتهي منتصف الشهر الرابع هذا العام.
وأضاف حيدر: نحن كجهة نقابية نعمل على إيصال مطالب الصيادين للجهات المعنية، وتوفير بيئة عمل مناسبة لهم فتحسن أوضاع الصيادين والصيد بشكل عام يسهم في حماية ودعم الثروة السمكية, وتوفيرها للمواطن بالسعر المناسب، ويبلغ عدد المنتسبين للنقابة من الصيادين حوالي (500) ونحن ندعو الجميع للانتساب بما يحقق مصلحة الصيادين ويعود بالفائدة على الثروة السمكية.
ما يباع لا يتجاوز 10كغ يومياً
يقول صاحب مسمكة العباس في جبلة: أنا بائع سمك وصياد، والسمك مطلوب كالفروج واللحم، وعندما تنخفض أسعار السمك يزداد البيع، وغيابه عن الموائد سببه ارتفاع أسعاره، وهناك أسماك يطلق عليها سمك شعبي (الغريبة، السردين، البلميدا، وغيرها)، تتميز برخص ثمنها وتناسب الشرائح الشعبية، فمثلاً البلميدا الأكثر رواجاً هذه الأيام كان سعرها خلال الفترة الماضية بين (800 ــ 1200) ليرة، وحركة بيعها نشطة بسبب كثرتها، لكنها اليوم قليلة وارتفع سعرها إلى (1500) ليرة، وسبب قلة الأسماك يعود إلى قلة المياه الحلوة القادمة من الجبال عبر الأنهار والتي تصب في البحر، و تحمل في طريقها أشنيات وديداناً صغيرة يتغذى عليها السمك بالإضافة للصيد الجائر (استخدام شبك النايلون واللانشات والجوارف)، والتي تحصد البذور من الأسماك الصغيرة قبل الكبيرة بالإضافة لاستخدام الديناميت وأحياناً السم، ويتحدد السعر حسب الكثرة والقلة, فمثلاً سمك الجربيدة كان سعره فيما مضى (300) ليرة واليوم (7000) وسمك القجاج ب (2000) واليوم (6000) ليرة.
× ويشير صاحب مسمكة الإمام في جبلة أنه قبل الأزمة كانت حركة البيع أفضل سواء بالنسبة للمواطن والمطاعم والمطابخ وغيرها، وبشكل عام حركة البيع خفيفة، ولا تصل إلى (10) كغ في اليوم، والأسعار ارتفعت بشكل كبير عن الماضي فالغبص كان سعره بين (150ـ 200) ليرة واليوم سعره (4000) ليرة، والقجاج (1200) واليوم (7000) ليرة، البوري (200ـ 300) اليوم (4000ــ 5000) ليرة، واللقس الرملي حسب وزن الحبة 40000 ليرة وقديماً كان 1000ــ 12000 ليرة والسلطاني غير مطلوب بسبب غلاء ثمنه، الأكثر مبيعاً وطلباً في هذه الفترة هي البلميدا, وهي نوع شعبي ووصل سعرها في الأيام الماضية إلى (1000) ليرة كحد أعلى، ولكنها اليوم ب (1500) ليرة بسبب قلة جوده.
ويرى صاحب محل بيع سمك أن انخفاض حركة البيع والشراء سببه غلاء الأسعار فالغبص خلال الشهرين الماضيين كان بين (4800ــ 5000) ليرة، وبلميدا حسب وجوده (1000ــ 1700) ليرة، والسلطاني غير موجود بسبب ارتفاع سعره وإذا وجد يصل الى (20000) ليرة, والقجاج خلال عام حتى اليوم يتراوح سعره بين (6500ــ 7000) ليرة، والسكنبري غير متوفر حالياً، والبوري قليل الوجود هذه الأيام كان سعره في السنة الماضية بين (3000 ـ 3500) واليوم (5000 ـ 550) ليرة.
أسعار السمك وتكلفة الوجبة الواحدة
لا توجد أسعار ثابتة ومحددة للسمك, ويتم تحديده عن طريق العرض والطلب، ويختلف السعر حسب النوع وجودة المذاق، و تتوافر حالياً أسماك بلميدا مبرومة بين (1500ـ 1700) ليرة، بلميدا عريضة بين (1800 ـ 2200) ليرة، غبص (4000) ليرة وما فوق، قجاج بلدي (10000) ليرة، اللقس الرملي (30000) ليرة وما فوق، جربيدي ناعمة (4000) ليرة، جربيدي خشنة بين (8000ـ 10000) ليرة وذلك حسب الحجم، ميرلن ( 6000ــ 8000 ) ليرة، سلطاني بين (15000ــ 20000) ليرة، قريدس بين (10000ــ 23000) ليرة.
وتبلغ تكلفة وجبة سمك لأسرة مؤلفة من خمسة أشخاص وسطياً حوالي عشرة آلاف ليرة، أي ما يعادل (20%) من راتب موظف يتقاضى (50 ) ألف ليرة شهرياً, وهي الحد الأدنى للتكلفة.
الجرف وفق شروط ومحددات الدراسة
فيما يتعلق بمراكب الجرف التي يشتكي الصيادون من وجودها قال المدير العام للهيئة العامة للثروة السمكية الدكتور عبد اللطيف علي: تشكلت عدة لجان فنية آخرها اللجنة العلمية الصادرة بالقرار رقم /276/ تاريخ 1/6/2017 والتي تضم ممثلين عن كافة الجهات المعنية (المديرية العامة للموانئ، نقابة الصيادين، البحوث الزراعية، رئيس نقابة عمال التنمية الزراعية، ورئيس مكتب التنظيم ممثلاً عن اتحاد فلاحي اللاذقية) من أجل إعداد دراسة للقرارات الناظمة لصيد الأسماك في المياه المالحة وعقدت عدة اجتماعات في الهيئة العامة لثروة السمكية بحضور ممثلي الصيادين لمناقشة مشاكلهم وإيجاد الحلول المناسبة.
تم عرض النتائج المقدمة من اللجنة العلمية والتي تضمنت مجموعة من المقترحات المتعلقة بالصيد ومنها السماح بالصيد الجارف على مسافة لا تقل عن 6 أميال عن الشاطئ وعمق لا يقل عن 250 م ووفق الشروط والمحددات الواردة في الدراسة والتي تضمن عدم الإضرار بالمخزون السمكي البحري لحين انتهاء الدراسة.
وبالنسبة للشباك بيّن مدير الهيئة العامة للثروة السمكية أن هناك تعاوناً مع الجهات المعنية بالأحياء المائية (جامعة تشرين، مراكز البحوث، الموانئ، نقابات وجمعيات الصيادين) لوضع الحلول والقوانين والقرارات والتعليمات الناظمة للصيد وإدارة الموارد المائية وكذلك تحديد مواسم ومواعيد الصيد ومناطقه وفتحات الشباك، علماً أن القياس النظامي 25 مم وتم السماح للصيادين باستخدام شباك عيون 20 مم لمدة عام نظراً لظروفهم الاجتماعية الصعبة على أن يتم الالتزام بفتحات 25 ملم في العام القادم.
الدراسات والاستزراع السمكي
وأضاف د . علي: قامت الهيئة بعدة إجراءات للمحافظة على الثروة السمكية وتعزيزها من خلال الدراسات على وسائل الصيد في المياه البحرية (شباك ثابتة، شباك جرف، شنشيلا) لتحديد فترات المنع بطرق علمية سلمية والحفاظ على تنمية واستدامة المخزون السمكي، وتم الانتهاء من بعض التجارب ويتم تطبيق النتائج حالياً، والبدء بالدراسات اللازمة لإنشاء حيود بحرية تساهم في تأمين بيئة مناسبة لتكاثر الأسماك بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ونقوم بتنفيذ خطة فنية لمجموعة من التجارب التطبيقية على أسماك المياه العذبة (كارب، مشط.. إلخ) ويتم تعميم نتائج التجارب على المربين عن طريق دائرة نقل التقانة من خلال أيام حقلية وورشات إرشادية وغيرها.
وحول الاستزراع السمكي في المياه المالحة أشار د .علي إلى أن الهيئة قامت بمحاولة تأمين إصبعيات للأسماك البحرية ولم تتمكن من ذلك نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة، ولذلك نقوم بجمع إصبعيات لبعض أنواع الأسماك البحرية من المياه الإقليمية (بوري، غريبة، سرغوس) والعمل على زراعتها في المزرعة البحرية في مركز أبحاث الهيئة بالسن وذلك لأغراض تجريبيه أولية علماً أن الهيئة قامت بمنح (1) موافقة مبدئية لإقامة مزرعة عائمة في اللاذقية، وحالياً تتم معالجة بعض الطلبات المربين للحصول على الموافقات المطلوبة لمنحهم الترخيص.
وقد بلغ إنتاج الصيد البحري عام 2019 (2224) طناً، وعام 2018 (2973) طناً علماً أنه عام 2017 بلغ (1917) طناً، وعام 2015 (1940) طناً، وقد تراجع إنتاج الأسماك البحرية عام 2019 وذلك لعدم قدرة صيادي المياه الدولية من الصيد بسبب منعهم من قبل السلطات التركية.
الصعوبات والمقترحات
وعن الصعوبات والمقترحات قال د. علي: تواجه الهيئة صعوبات عديدة منها الصيد الجائر والصيد المخالف باستخدام وسائل صيد غير مشروعة وهو ما أثر على المخزون السمكي، علماً أنه تم الحد منها كثيراً في السنوات الأخيرة بالتعاون مع الجهات المختصة، وقلة الاستثمارات الموظفة في تربية الأسماك وخاصة في إنشاء المزارع الشاطئية والأقفاص العائمة بسبب قلة المساحات المخصصة على الشاطئ لإقامة هذه المزارع حسب خارطة السياحة للساحل السوري، بالإضافة لقلة الخبرات الفنية في مجال تربية وتفريخ وإنشاء مفرخات الأسماك البحرية، وعدم التمكن من استقدام أنواع سمكية بحرية جديدة بسبب الحصار الاقتصادي.
وبالنسبة للمقترحات للنهوض بالثروة السمكية وتحسين الإنتاج فتتخلص بما يلي: تشجيع ودعم البحوث العلمية في مجال الأسماك والأحياء المائية، منح القروض لمربي الأسماك بفوائد بسيطة لإنشاء المزارع ولشراء قوارب كبيرة للعمل في المياه الدولية، التوجه نحو الاستزراع المكثف للأسماك ضمن الأقفاص العائمة في المياه العذبة والمالحة وخاصة في البحيرات الكبيرة للقطاع الخاص تحت إشراف مباشر للهيئة العامة للثروة السمكية، تذليل العقبات التي تعترض إنشاء المزارع البحرية (مزارع الأقفاص) إضافة إلى تسهيل استيراد الإصبعيات البحرية، العمل على إحداث قسم متخصص للأسماك والبيئة المائية ضمن الجامعات، تسهيل الإجراءات اللازمة للقطاع الخاص لإنشاء مزارع سمكية بحرية عذبة ومزارع الأقفاص العائمة في المياه البحرية وبحيرات السدود وتقديم قروض للمربين لإنشاء مثل هذه المزارع.
يشار إلى أن الهيئة العامة للثروة السمكية أحدثت بالقانون رقم /31/ تاريخ 14/12/2008 وهي ذات طابع إداري تهدف إلى تطوير وحماية الثروة السمكية وتنمية مواردها وإدارة وتنشيط الفعاليات المختلفة بهذا المجال بهدف زيادة الإنتاج على مستوى القطر ورفع نصيب الفرد من الأسماك في سورية.
المديرية العامة للموانئ
أكد المدير العام للموانئ العميد عمار مخلوف أن المديرية العامة وبموجب القرار رقم /460/ لعام 1965 تقوم بتنفيذ المراسيم التشريعية المتعلقة بالصيد البحري، إضافة للقرارات الصادرة عن السيد وزير الزراعة بهذا الخصوص، وفي عام 2008 صدر قرار رقم /232/ عن السيد وزير النقل بخصوص مخالفات المراكب بأنواعها لتدارك الثغرات الموجودة في بعض القرارات التي لا تحدد العقوبة المناسبة المرتكبة من قبل أصحاب المراكب (صيد، نزهة، شخصي).
وأوضح مدير عام الموانئ أن المديرية العامة تسعى جاهدة للقضاء على كافة مظاهر الصيد المخالف (متفجرات، جرف… وغيرها)، وذلك من خلال عناصر الضابطة العدلية (عناصر الموانئ) المنتشرين على كامل الشاطئ، حيث يتم تسيير الدوريات الراجلة بشكل دائم والدوريات البحرية عند الضرورة، وعند ضبط أي حالة صيد بالمتفجرات يتم تنظيم محضر بحق المخالف وفق المادة /54/ من المرسوم التشريعي رقم /30/ لعام 1964 ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم وإحالتهم للقضاء.
وعن المخالفات التي حصلت منذ بداية العام قال العميد مخلوف: تم تنظيم قرار منع إبحار رقم/90/ بحق مركب الصيد الجارف جسار رقم /954/ ، وقرار منع إبحار رقم /207/ بحق مركب الصيد الأميرة شيماء رقم /804/ وذلك لمخالفتهما أحكام القرار الوزاري رقم /232/ لعام 2008 المادة /2/ وعدم التقيد بالتعليمات الصادرة عن المديرية العامة للموانئ.
وبيّن مدير عام الموانئ أن عدد مراكب الصيد يبلغ حوالي (1375) موزعين على الموانئ والمراسي المختلفة، ومسجلين لدى مكاتب التسجيل المتعمدة في المديرية، وتخضع للكشوفات الفنية السنوية، وتمنح بناء على هذا الكشوفات رخص الملاحة والصيد السنوية، وقد بلغ عدد رخص الإنشاء لمراكب الصيد هذا العام (2) حيث يتم منح رخص الإنشاء وفق القانون /27/ لعام 2008 وتتم عملية الإنشاء تحت إشراف المديرية وتخضع الزوارق لكشوفات مرحلية ونهائية وذلك قبل تسجيلها أصولاً في أحد موانئ التسجيل المعتمدة.
يشار إلى أن المدير العام للمديرية العامة للموانئ هو نائب رئيس المجلس الأعلى للأحياء المائية والذي يترأسه السيد وزير الزراعة ويشارك في وضع القوانين الناظمة للصيد البحري.
المعهد العالي للبحوث البحرية
من جهته قال الاستاذ الدكتور أمير إبراهيم الباحث في المعهد العالي للبحوث البحرية بجامعة تشرين إن انخفاض إنتاج الأسماك يعود إلى عوامل بشرية المنشأ كالصيد الجائر بأشكاله المختلفة والتي كثر الحديث عنه في محافل كثيرة، إضافة إلى أعمال التلوث الناتجة عن النشاطات البشرية المكثفة بسبب زيادة التمركز السكاني في المنطقة الساحلية خلال الأزمة والفترة التي سبقتها والناتجة عن الخلل التنموي الواضح لجهة قلة وجود أماكن التمركز الاقتصادي في ريف الساحل السوري، ما يضطر أغلب الناس للنزوح إلى المدن الساحلية، وهناك عوامل طبيعية المنشأ نتجت عن التكوين الطبيعي للسواحل السورية كجزء من منظومة الساحل الشرقي للبحر المتوسط والتي تتمثل بضيق الرصيف القاري لدينا، والذي يعتبر المنطقة الأساس المنتجة بيولوجياً، والتي تحتضن أكثر من 80% من الثروات البحرية الحية، ويضيق هذا الرصيف القاري كثيراً إلى حوالي (1) كم في بعض المناطق بين رأس البسيط وأم الطيور والمناطق إلى الشمال من جزيرة الحمام (البدروسية) على سبيل المثال، وفي المناطق التي يتسع فيها الرصيف القاري (منطقة الحميدية مثلاً) يبقى لا يتجاوز (18) كم.
وأضاف د. إبراهيم: يأتي الارتفاع المضطرد لملوحة المياه البحرية السورية عاملاً مؤثراً سلبياً آخر يشكل ضغوطات فيزيولوجية على أنواع الأسماك المحلية ويحد من استدامتها، حيث بدأت الملوحة تلامس (40) غرام باللتر (ملوحة البحار الطبيعية بحدود 35 غرام باللتر) ذلك ناتج عن التبخر الشديد للمياه (على شكل مياه عذبة) وتعويض هذا الفاقد بمياه مالحة من المحيط الأطلسي بشكل رئيسي عبر مضيق جبل طارق، وما يزيد من حدة هذه الضغوطات هو تغيرات المُناخ التي بدأت آثارها تظهر في المياه البحرية السورية بصورة زيادة درجة حرارة المياه وزيادة حموضتها وتأثير ذلك على الأسماك وعلى أغذيتها المختلفة.
لقد أدى هذا التغير بمواصفات المياه لدينا إلى قدوم أنواع سمكية جديدة إلى مياهنا البحرية غزت المنطقة وأثرت سلباُ على الأنواع الاقتصادية المحلية، من خلال التنافس على الغذاء والمكان، وازدادت هذه الظاهرة حدةً في السنوات الأخيرة لدرجة أنه تكاد لا تخلو جولة ميدانية بحرية من تسجيل نوع جديد في مياهنا، ففي العام الفائت وحده تمكنا من تسجيل 14 نوعاً سميكاً وصل عبر قناة السويس قادماً من المحيط الهندي والهادي، لقد تم توثيق هذه الأنواع ونشرها في مجلات علمية عالمية محكمة.
وأوضح د. إبراهيم أن هناك إجراءات عملية نقوم بها في المعهد العالي للبحوث البحرية بجامعة تشرين منذ العام 2009، لدراسة التهديدات الطبيعية التي تتعرض لها الأنواع الحية ومخزوناتها الطبيعية والتي يمكن أن تتعرض لها مستقبلاً لجهة دراسة تأثير تغيرات المُناخ الحالية والمتوقعة على تجمعات الأنواع الحية ذاتها وعلى مواطنها البيئية وسبل تمكين هذه الأنواع من مواجهة تلك المهددات وتجاوزها، وذلك يمكن أن يتم من خلال مساعدة الأنواع على تحمل الظروف الطبيعية والبشرية المنشأ لزيادة مقدرتها الحياتية في بيئتها الطبيعية وزيادة تحملها للإجهادات المختلفة، وفي سياق سلسلة الأبحاث هذه تم سبر المواقع الطبيعية المتدهورة في الساحل السوري، واقتراح مشاريع ميدانية حقلية لإعادة تأهيل هذه المواقع وعودتها إلى سابق عهدها قدر الإمكان كي تستطيع تأدية دورها الفاعل في دعم الثروات البحرية الحية، وتوجت هذه الدراسات باقتراح شبكة من المواقع البحرية لإعلانها كمحميات بحرية وساحلية وفق المعايير التي حددها الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، لتكون نواة لإمداد مناطق الساحل السوري الأخرى بفراخ الأسماك لدعم مخزوناتها الطبيعية، على اعتبار أن زيادة كثافة الأسماك في المحميات سوف تسبب نزوحها إلى الأماكن المجاورة، وتبقى الحدود البحرية عاملاً مساعداُ في الحماية من خلال تهيئة مواطن بيئية محلية تهجع إليها الأسماك كأماكن تفريخ ونمو وتكاثر، ويتم حالياً العمل مع الهيئة العامة للثروة السمكية للاستفادة من الهياكل المعدنية القديمة والمنسقة لإيداعها في أماكن محددة من المياه الإقليمية لتحسين واقع هذه المناطق.
وأشار الباحث د. أمير ابراهيم أنه لابد في النهاية من تخفيف الضغط على التجمعات السمكية الطبيعية التي تعاني من أعمال الصيد الجائر ومن النشاطات البشرية الجائرة، من خلال إنتاج الأسماك من المزارع السمكية المتخصصة لتغطية حاجة السوق المحلية عوضاً عن الصيد الجائر في المياه الطبيعية، ويتم ذلك من خلال مزارع تقام على شكل أحواض على الشط أو في أقفاص عائمة في البحر، وتسهيلاً لهذا الأمر قمنا مؤخراً بسبر الساحل السوري وتحديد عدد لا بأس به من الأماكن الملائمة لتوضع الأقفاص العائمة لاستخدامها في تسمين وإنتاج الأسماك البحرية، وإنشاء مركز وطني متخصص بصيد إصبعيات الأسماك البحرية المحلية من البحر مباشرة ضمن ضوابط محددة تضمن استدامة المخزونات السمكية الطبيعية، وذلك بهدف توفير إصبعيات التربية، والتغلب على صعوبات الاستيراد من الخارج، وتوفير التكاليف الباهظة لعملية التفريخ الصناعي للأسماك البحرية، إلى جانب تأمين إصبعيات قوية خضعت للاصطفاء الطبيعي قادرة على العيش والنمو بكفاءة جيدة.
في الختام
لقد ركب الإنسان السوري القديم البحر منذ آلاف السنين وعلّم البشرية أبجدية الحرف وأبجدية البحر فهل عجز العقل السوري الحالي عن إيجاد حل لمشكلة انخفاض وتراجع إنتاج الأسماك في بحرٍ كان ومازال ربانه سورياً، نتمنى ألا تذهب الوعود أدراج الرياح والقرارات والدراسات أدراج المكاتب.

سنان سوادي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار