وقـال البحــــــر.. الأنهـــار والحيـــاة

العـــــدد 9490

الإثنين 16 كانون الأول 2019

 

أدار الجدّ عينيه في المكان أخذ حفنة تراب, ورفع رأسه رأى غيمة تتمايل في السماء. قال للصغار وهم يحيطون به: يا أحبّائي أذكر عاماً لم تنسكب فيه قطرات المطر، جفّ التراب واحترقت الأشجار من العطش ولفح الشمس يبست المروج والأعشاب، تشققت الأرض كجراح عميقة، وأطلقت العصافير زقزقات كئيبة كنا ننظر إلى السماء ونقول: تعالي أيتها الغيوم الصديقة لتمنحينا المطر، وحين انتصبت سدود تجمع كل قطرة ماء، جاء الفرح دبّت الحياة وابتهجت الحقول, وتدفّقت المياه، عانقت جذوع الأشجار وسقتها حتى الارتواء، فغنّت الطيور أجمل الأغاني.
***
انساب النهر كأغنية عذبة وهو يلامس الصخور وجذوع الأشجار، وقف الجد وأحفاده قربَ الضفة يتأملون المياه المتدفّقة، قال أحد الأحفاد: لماذا يسير النهر مسرعاً؟
قال الجد: لتشرب من مياهه الحقولُ العطشى والأزهار والعصافير، ويصب في البحر.
قال حفيد آخر: لماذا يجري إذا كان سيغيب في جوف البحر؟
أجاب الجد: النهر لا يملّ السفر, ومنابعه في الجبال تنسكب في مجراه ليواصل سفره الدائم إنه يصنع المواسم الخضراء ومن مياهه تنبت الألوان الزاهية.
تساءل حفيد آخر: هل تختلف نهايات الأنهار يا جدّي بعد رحلتها فلا تصبّ في البحر؟
قال الجد: تلك نهاية قديمة والنهر الآن لا تضيع مياهه, وقد مضى زمن هدر المياه, في بلادنا سدود كثيرة تحجز مياه الأنهار, وتشكّل بحيرات زرقاء ساحرة يسقي الفلاحون منها بساتينهم في كل الفصول فلا يصيبها الجفاف.
قالت الحفيدة: وجدت في التلفاز أنهاراً تسقط من مرتفعات عالية وتصبح شلالات هادرة قوية ويزورها السيّاح والمتنزهون.
قال الجد: هذا ما يحدث في بعض البلاد, وهناك أنهار تصبّ في بحيرات تسبح فيها أسراب البط والأسماك.
قالت الحفيدة: شكراً يا جدّي لقد عرفنا نهايات الأنهار الجميلة التي تنبع في أرضنا, وتتجمّع في سدودنا التي تنتشر في أنحاء الوطن الأخضر الرائع.
ابتسم الجد وقال: يا أحفادي وأحبّائي إن اللون الأخضر هو النمو والأمل والحياة والخصوبة.

عزيز نّصار

تصفح المزيد..
آخر الأخبار