ما الذي يجعل المرأة سعيدة؟

الوحدة 16-12-2020

 ما الذي يجعل المرأة سعيدة؟ المال أم الحبّ أم عملية تجميل تعيد شباباً غابراً، أهي القوة أم الوظيفة المرموقة أم الشعور بتعدد الخيارات والحرية؟

 لا بدّ أن كل امرأة تدرك اليوم ما هو متاح لها من حرية الاختيار هو أكبر بما لا يقاس مما كان عليه الوضع قبل قرن أو يزيد ومع ذلك فإن كثرة الخيارات المتاحة أدت إلى قتل مضغة القناعة في سيكولوجية المرأة هذا هو مختصر البحث لسان حال المرأة اليوم يقول ما يلي لدينا كل الأسباب لنشعر بأننا الجيل الأكثر سعادة على امتداد التاريخ يمكننا مثلاً الاختيار بين الإنجاب أو عدم الإنجاب ويمكننا تحديد موعد الإنجاب من دون هيمنة أحادية من الرجل.

 لسنا بحاجة إلى الزواج كي نعيش وإذا كنا نتزوج بالفعل. فذلك يحصل لأسباب أخرى ليس من بينهما لقمة العيش ثم إننا عندما نتزوج ونكتشف أننا غير قادرين على العيش مع الشريك الآخر لا يمنعنا أحد من الخروج من اللعبة واختيار الطريق الطلاق ما أكثر الوظائف الواعدة التي تنتظر أي امرأة منّا وما عليها إلا أن تنهل من الإنجازات ما يحسدها عليه الرجال.

 لقد أصبح في مقدورنا أن نتوقع من الرجل القيام ببعض أعباء المنزل مثل المساهمة في الطبخ والكنس والاعتناء بالأطفال صحيح أن جرعة مساهمته ما زالت غير عادلة ولكن شتان ما بين الأمس واليوم أليس من المسعد حقاً أن تري زوجك وهو يقطع البصل ويغسل الأطباق بعدما كان يتعفف من أن يلطخ يديه في تلك الأعمال.هنالك  الكثير من المنجزات التي نستطيع التغني بها ومع ذلك هل نحن سعيدات؟

 هيهات والسبب؟ إن عدد الأسباب لا يقل عن عدد الخيارات المتاحة لحواء العصر في الواقع هنالك أسباب كثيرة لكي تجزم المرأة بأنها ليست سعيدة صحيح أن كلمة السعادة لم تجد لها مفردة مرادفة أو معنى دقيقاً يجعلها قابلة للتعريف المباشر لكن أقرب كلمة إلى معنى السعادة هي القناعة. تأملي وضعك وفكري إن كنت تمتلكين هذا الكنز الذي لا يفنى!

 نحن معشر النساء نتمتع بما يكفي من الخيارات لكننا في واقع الحال، واقعات تحت هاجس لعين مفاده أن خياراتنا دائماً معرضة لأن تكون خاطئة.

 فإن قررت الواحدة منا أن تجلس في البيت وترعى أبناءها وتعتني بزوجها وبيتها فإنها تشعر بالحيف لأنها أضاعت فرصة النهل من التعليم والتطور المهني واستثمار المواهب التي أوجدها الله في ذاتها.

وإن قررت إحدانا أن تستثمر علمها وتعليمها وتخوض غمار الحياة العملية سعياً وراء المال والتقدم المهني فإنها تظلّ على الدوام أمام غول الشعور بالذنب الذي يداهمها كلما تذكرت أنها تركت أطفالها بأقل القليل من حنان الأم ومن المساعدة في الواجبات الدراسية إلخ.

 هذان الخياران هما مجرد مثال عن المأزق النفسي الذي تعيشه المرأة اليوم ولو أحصينا المفترقات المشابهة فلن نقف عند حدود هذا المقال.

الخلاصة إن المرأة كثيراً ما تتخلى عن حقها وواجبها في الاختيار وتندفع في حياتها بلا قرار ذاتي إنها تترك للأيام أن تقنعها بأن من المستحيل عليها أن تعمل بدوام كامل وأن تكون أماً كاملة الأمومة وزوجة كاملة وصديقة كاملة في الوقت نفسه.

ومن الصعب أن تكون امرأة عاملة ناجحة وفي الوقت نفسه يكون بيتها نظيفاً مرتباً وتحافظ على نحافتها ورشاقتها وتكون أنيقة في ملبسها وتتمتع بالعافية التامة وتحصل على حياة رومانسية محلقة في الأثير وتمارس هواية جميلة كبقية خلق الله .هل من الممكن للمرأة أن تكون كل ذلك دفعة واحدة من دون أن تصنع من نفسها سبع نسخ أو أن تقطع نفسها سبعة عشر إرباً وكلما أنجزنا أكثر اتسعت بالتالي دائرة الإنجازات الممكنة التي تلوح في أفق الحياة من حولنا فنظل نطمح بالمزيد وفي خضم هذا السعي إلى تحقيق المزيد سرعان ما ينقضي ثلثا العمر فنكتشف أننا لم نحقق شيئاً والنتيجة ثمة خطر داهم يسمّى الانهيار النفسي إننا نعيش اليوم في واقع تضاعفت فيه نسبة الكآبة بين النساء عشر مرات عما كانت عليه قبل أقل من نصف قرن وهذه النسبة أعلى منها عند الرجل بنحو الضعفين.

 المفارقة في عصر الخيارات هي أنه بينما لا تفكر المرأة بإمكان التنازل عن تلك الخيارات فإنها تدرك في قرارة نفسها أنها تبتعد مع الزمن عن الشيء الذي يمكن أن يسمى سعادة أو قناعة.

 اسأل أي امرأة عما يمكن أن يجعلها سعيدة وقد تحصل على إجابات تستحق التأمل لكن العديد من النساء سيعلن إلى ردود من قبيل الحب المال الرجل الوظيفة الناجحة الطعام اللذيذ والرومانسية كل هذه الإجابات تدل على وجود تداخل وخلط يجعلان المرأة تعتقد أن السعادة هي شيء حسي شأنها شأن تناول اللحم المشوي.

 ثمة خلط بين السعادة والمتعة وهذا ما عبرت عنه امرأة سئلت عمّا يجعلها سعيدة فقالت: أكون سعيدة عندما أجلس قريبة من زوجي على الأريكة إما أن هذه المرأة تشير إلى تجربة أعمق وأسمى من مجرد الجلوس معاً على الأريكة وإما إنها تخلط بين الشعور باللذة وبين السعادة.

 لقد أدى الغموض الكامن في معنى السعادة إلى طرح المئات من الكتب الأشبه بالأدلة التعليمية حول كيفية تحقيق السعادة وخصوصاً بالنسبة إلى المرأة ولو أتيح إليك قراءة عدد من تلك الكتب فستجد أن حلّها يطرح المنطق التالي.

 السعادة هي أن تتمكن من ملامسة ذاتك الحقيقية ومعرفة ما الشيء الذي يضفي عليك شعوراً طيباً قد يكون هذا الكلام صحيحاً لكنه لا يقدم وصفة واضحة أو جاهزة لتحقيق السعادة.

 إذا كان من الصعب معرفة ما هي السعادة فلنأتِ من الطريق المقابل ما هي اللاسعادة؟

 إن أبرز سبباً لنقصان السعادة لدى النساء هو قلة الإحساس بالمعنى ثمة طريق مفروش بالإنجازات والخيارات المفتوحة وماذا بعد؟ ما جدوى ذلك؟ ما الفائدة من ذلك؟ ما جوهر ذلك؟ الكثير من الناس يتسلقون سلم السعادة ليكتشفوا سريعاً أنه مرتكز على الجدار الخطأ. السؤال هنا هو هل الاستنجاد بالخبراء النفسيين وعلماء السعادة هو أمر يجدي نفعاً؟ لعل المشكلة تكمن في أن الكثير إن لم يكن الجميع من تلك الكتب عن السعادة هي أقرب إلى التجريد منها إلى الواقع جميعها تضع أمامك خريطة طريق نحو السعادة ولكنها في واقع الحال تقول لك: إنك إن أردت السعادة فعليك أن تتصرفي بمعزل عن تأثير الأقارب والأصدقاء والزوج والعمل والهواجس والإعلام عندئذ فقط ستتراءى لك السعادة عن بعد وستتمكنين من السير نحوها للقبض عليها والاستحواذ عليها ولكن هيهات ضمن منا يعيش في كهف معزول عن بقية البشر؟ قرري أن تحولي نفسك إلى ربة بيت وعندها ستواجهين رسائل ضمنية لا ينفك الإعلام عنها  ليوصلها إليك مفادها أنك أقل أهمية من تلك المرأة التي رضيت بالعمل كجامعة للقمامة هذه هي الصورة بكل فجاجة ووضوح .ففي نهاية المطاف أنت تمارسين عملاً غير مأجور وعيون الناس قبل ألسنتهم ستقول لك إن كنت لا تكسبين المال فإنك أقل أهمية من الآخرين.

 تستطيع التكيف والشعور بالسعادة مع التفرغ للبيت في حالة واحدة فقط لو أقفلنا حواسنا عن المؤثرات الخارجية وهذا هو المستحيل بعينه نحن لا نكتفي بتلقي الإشارات من الناس ووسائل الإعلام بل نحن مبالغون إلى مقارنة أنفسنا بالآخرين.

 قبل قرن من الزمان كان بمقدور امرأة أربعينية أن تسرّح شعرها الشائب وأن تتعامل مع الآخرين ولديها كل الشعور بأنها جميلة أما الآن من هي المرأة التي لا تصبغ شعرها في هذا العالم ومع ذلك فكم عدد النساء  اللاتي يقفن أمام المرآة ويشعرن فعلاً بأنهن جميلات؟

 لقد تجاوزت مسألة الجمال موضوع الحصول على الزوج لقد غدت مرتبطة بحاجة المرأة نفسها إلى رؤية نفسها جميلة أمام المرآة.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار