رحلة في أدب الكاتبة لينا كيلاني

الوحدة 25-11-2020

 

 

 

                  

 الكتابة للطفل .. يجب أن تواكب مفردات العصر ما بين الطبيعة ومكوناتها والخيال العلمي ومفرداته .. أحداث ومشاهد تختزل عالم الطفولة بمفردات ولغة بسيطة وصادقة تحاكي مشاعر الأطفال وتجوب بين مخيلتهم وتطلعاتهم التي ينسجون من خلالها أحلامهم وأمانيهم في دنيا متفردة الألوان والمشاهد .. من خلال نتاجات أدبية وفنية لأدباء تعايشوا مع عالم الأطفال في حركاتهم وتصرفاتهم ومواقفهم اليومية واستقوا أفكارهم من واقعهم الخاص الذي لاتحدّه قواعد ولا قوالب ، فلونوا لهم الطبيعة في قصصهم بألوان تخرج عن المألوف و قدّموا لهم النصيحة أو المعلومة من خلال حوار غير منطقي بين مكونات متناقضة شكلاً ومضموناً .. أو أرشدوهم إلى القيم السلوكية الرفيعة من خلال مشاهد قصصية تثير مخيلتهم وتحفزها على التحليل والاستنتاج الصحيح للقيمة المراد إيصالها . هذا هو فن الكتابة الجيدة للأطفال ، خروج عن المألوف ومحاكاة حقيقية لعالم الطفل ولكن بكثير من الحكمة والاهتمام وبمزيد من الحرص على التعامل مع التفاصيل الممتعة لكل مكوناته. وفي هذا العدد من ” جريدة الوحدة ” نرصد هذا الجانب الإبداعي عند الكاتبة لينا كيلاني الاسم الساطع في سماء أدب الأطفال في سورية والتي أثبتت من خلال مجموعاتها القصصية الموجهة للأطفال جدارتها في المحافظة على القالب الحقيقي للقصة الطفلية. ولكن ليس بالمعنى التقليدي بل بأسلوب مختلف يتناسب مع التطور الفكري الذي يعيشه الطفل ، وهي دعوة لأصدقائنا الأطفال للاستمتاع بأدب راقٍ من خلال الأحداث والمشاهد والصور اللغوية الرائعة التي تشدنا إلى أعمال الأديبة ” لينا كيلاني ” وعالمها القصصي الموجه للأطفال لننهل من محتواها ومخزونها المعرفي ولننعم بفيضها الجمالي . عن تجربتها في الكتابة للأطفال قالت الكاتبة في أحد اللقاءات معها : ” الكتابة للطفل جنس أدبي قائم بذاته، له شروطه وأدواته، إنه أدب السهل الممتنع الذي يجب أن يراعي المرحلة العمرية للطفولة التي يتوجه اليها، وهو الذي يجب ألا يخرج عن القاموس اللغوي للطفل، أما الخيال فهو من نسيج هذا الأدب، الى جانب القيم التي يبثها الكاتب بأساليب غير مباشرة وبعيداً عن الوعظ والإرشاد ” . وعن خصوصية اللغة التي يجب أن نتوجه من خلالها للأطفال قالت : ” لغتي في قصص الأطفال هي تلك الفصحى المبسطة، وهي التي تأتي من قاموس الطفل اللغوي حسب مراحله العمرية، وهذا جانب مهم جداً في أدب الطفل أحرص عليه بدقة شديدة. إضافة الى أنني أنصت إلى (موسيقى داخلية) للنص أتحسسها بنبض قلبي، فلا أستطيع أن أضع تعبيراً مكان آخر، ولا أن أستبدل كلمة بغيرها. وعلى أديب الأطفال عموماً أن يلتزم بقاموس الطفل اللغوي حتى لا يغيب المعنى عن الطفل، وألا يستخدم تعابير الكبار حتى لا ينصرف الأطفال عن قراءة الكتاب الذي هو بالأساس موجه لهم ” . أما عن دور الرسم في أدب الأطفال .. و أيهما أهم الصورة أم النص ؟ قالت : ” هي عملية تكاملية بين النص والرسوم وكلٌ يعزز الآخر، والكتاب الجيد هو الذي يتميز بالمضمون، وبالرسوم التي تعبر عنه. ففي المرحلة العمرية الأولى تكبر مساحة الرسوم ذات الخطوط البسيطة على حساب الكلمات، وتتضح حرارة الألوان ولا تتنوع كثيراً حتى تلتقط عين الطفل. أما في المرحلة العمرية الثانية فهو العكس عندما تكبر مساحة الكلمات على حساب الرسوم. فطفل المرحلة العمرية الثانية يكون قد تعلّم القراءة، ولم يعد بحاجة لرسوم تساعده على الفهم كمن هو أصغر منه عندما تقوم الرسوم بتوضيح المعنى له. وهكذا يسير الأمر كلما توجهنا نحو الأعمار الأكبر للأطفال. أما الغلاف الملون لكتاب الطفل فهو أساسي، كما العنوان ليعلن عن الكتاب، ويجذب الطفل اليه. و عن رؤيتها لمستقبل الكتابة للأطفال في ظل عصر الصورة وأدوات التكنولوجيا، قالت : العصر بما جاء إلينا به من تطور، ومن وسائل للتواصل قد غيّر من أنماط الحياة، ومن العلاقات الاجتماعية، ومن تربية الأبناء أيضاً. وبالطبع ليست كل هذه المؤثرات سلبية بل إن لها آثارها الإيجابية الكثيرة.. لكن المشكلة تكمن كيف يمكن الاستفادة، وتقليل الآثار السلبية. والطفل الذي لم يعد معزولاً عن كل ما يجري حوله بسبب الأجهزة الذكية مما جعل ذكاؤه يتفتح قبل أوانه، أصبح بحاجة لرعاية من نوع جديد فيها التوجيه، والتقنين إلى جانب مساحة من حرية التعبير عن الذات، وفهم واجباته كطفل قبل حقوقه. لابأس من أن يندمج الطفل مع مفردات عصره، لكن من المهم ألا يذوب فيه، وهذا ما بات يهدد طفلنا العربي. وهنا يجب التأكيد على الانتماء من خلال الأدب والفن، وهي على أي حال مسؤولية لا تقع على عاتق جهة واحدة بل إنها مهمة تكاملية ما بين الأسرة، والمدرسة، والمؤسسات الثقافية، ووسائل الإعلام. أما الكتابة للطفل فقد أصبحت بأمس الحاجة لأن تواكب العصر، والتكنولوجيا الفائقة التي باتت تقع تحت أيدينا.. وإذا لم نطور من أدواتنا، ونخرج من فضاء الغابة، والعصفور، والشجرة، وغيرها مما يرد في خطاب الطفل وهو ما زال في قالبه التقليدي، فأظن أن العصر سيتجاوزنا، وسيتجه أبناؤنا في مسارات بعيدة عنا تعبر عنه بأكثر مما نقدمه له. وحول اختيارها لموضوع قصصها قالت: ” إن موضوعات قصصي تأتي إليّ عموماً من الحياة. وفي عالم الطفولة تحديداً فإن أغلب الافكار التي أنسج حولها قصصي هي مما يثير اهتمام الطفل. والأنسنة هي من صلب أدب الطفل لأن الطفل بخياله الواسع يؤنسن كل ما حوله. أما الخيال العلمي فقد أصبح ضرورة في أدب الطفل بعد أن قطع العلم أشواطاً بعيدة في مسار الاكتشافات ، والمعرفة في كل العلوم. ونحن إذ نقترب من الخيال العلمي في أدب الطفل، ومن الأدب العلمي فإنما نهيئ الطفل لغده حتى لا تصيبه صدمة المستقبل، وحتى يتجاوز مرحلة الأمية الحضارية. وأنا كتبت كثيراً ومنذ البدايات في أدب القصص العلمي الذي يقوم على تقريب المعلومة العلمية بأسلوب مبسط للطفل، ولم أكتف بذلك عندما توجهت في مرحلة تالية من مسيرتي الأدبية إلى الخيال العلمي وللرواية النصيب الأكبر منه كروايات: إجازة في المريخ، الرأس المفتوح، من أنا من أكون؟، النبات الذي أصبح قاتلاً، الكهف المخبوء، سراب تحت الماء، العمر الوضاء في جزيرة الفضاء، وغيرها. بقي للقول : من المؤكد أن هذا الإبداع لم يأت من فراغ ، فالكاتبة لينا كيلاني قد قطعت مشواراً عامراً بالعطاء في هذا المجال فحين نتصفح سيرتها الأدبية نجدها مفعمة بالمشاركات والجوائز، فقد أصدر لها اتحاد الكتاب العرب العديد من المؤلفات منها : العصافير لا تحب الزجاج – الجزيرة السعيدة – الطائر الذي وجد صوته – أصدقاء الطبيعة – مغارة الكنز – السمكة المغرورة – الأحلام الذهبية – الحلم والمستقبل . كما قدمت أكثر من 150 مؤلَّفاً بين مجموعات قصصية تتوجه للطفل وروايات لليافعين فضلاً عن رواياتها للكبار . وقد اعتمد بعض إنتاجها الأدبي ليدرس في المنهاج الدراسي في سورية لصفوف المرحلة الابتدائية منذ عام 2008 . ويذكر أن لينا كيلاني نشأتْ في بيئة أدبية، فوالدتها هي الكاتبة السورية المعروفة قمر كيلاني،. وتعد حالياً من أهم كتاب أدب الأطفال في الوطن العربي. حيث تُرجِم بعض من إنتاجها إلى اللغات الألبانية، السلافية، الروسية، الإسبانية، وأُدرِج اسمها في أكثر من تسع عشرة موسوعة عالمية في بريطانية وأمريكا والهند وحصلت على العديد من الجوائز التلفزيونية والأدبية منها جائزة الصحافة العربية الدورة الثامنة عن فئة صحافة الطفل 2009 والجائزة الفضية لمهرجان تونس العربي للأعمال الإذاعية والتلفزيونية بدورته الرابعة عشرة – 2009 – عن مسلسل الأطفال الدرامي ” الأحلام الذهبية ” والجائزة الذهبية لمهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عن مسلسل – دمى الصلصال – وهي مهندسة زراعية وتحمل شهادة الماجستير في الاقتصاد الزراعي و عضو في اتحاد الكتاب العرب منذ عام 1992 واتحاد كتاب مصر منذ عام 2000 وعضو هيئة تحرير لدى مجلات أدبية وعلمية وعضو لجان قراءة وتحكيم لجوائز أدبية في سورية ومصر والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم .

 

 فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار