شيء غريب!

الوحدة 25-11-2020

علّمته كيف يتعامل مع ربطة العنق وربطة الحذاء وكيف يربط المنبه وأرقام الحقائب وصندوق الأمانات وقبلها لم يكن يعرف كيف يربط شيئاً أبداً ولما ارتبط بها حاول الفكاك سنين طوالاً لأنه لم يعتد القيود حتى إنه كان يضع ساعته في جيبه لأنه يكره أي نوع من أنواع القيود.. ولكنها كانت تضحك منه وتخرج ساعته من جيبه وتقول له يا مجنون مكان الساعة المعصم ومكان الدبلة في إصبعك وإذا توقفت عن لبسها فذلك رمز معناه أنك لا تحبني وعندها سوف أربط حقائبي وأرحل وستعود كما كنت قبلي متحرراً من كل التزام وكان (ينربط) لسانه أمام جمالها وروحها وعذوبة كلامها فيشبك أصابعه لأنه لا يعرف ماذا يفعل بيده ويظل ينظر إلى وجهها ويطيل النظر فوجهها من النوع الذي يزيدك حسناً كلما زدته نظراً وقد ارتبط قلبه وعقله وروحه وجوارحه بها إلى درجة تدعو إلى الاستغراب ودام الرباط المقدس أعواماً طوالاً حتى نسيت أن الدهر على فعل الأعاجيب وأن القلوب تتقلب وتتغير وتتلون وتفعل مالا يخطر على البال.

ومع أن السنين قد أخذت منه الكثير إلا أنها لم تقدر أن تأخذ منها شيئاً فكأنها قد ربطت الأيام فلا تمر، وقيدت الساعات والثواني فلا أثر لها على وجهها المشرق كالبدر وخدها الممتلئ خجلاً وتفاحاً وروضة وروداً لا حصر لها وبينما هو في سيارته يريد أن يترجل وقد فك رباط حزام الأمان الذي كانت تلزمه بربطه خوفاً عليه من أي حادث وقد يحدث صدمته في المواقف سيارة من الخلف ولولا الحزام المربوط لتهشم رأسه في الزجاج الأمامي لسيارته من شدة الصدمة وما كان منه إلا أن فك الحزام وفتح الباب وخرج غاضباً ليتفاجأ بأن السيارة التي صدمته من الخلف تقودها امرأة وأنها في حالة إغماء ورأٍسها على مقود سيارتها وقد بدأ الناس بالتجمهر فاتصل هو بعمليات الشرطة وما هي إلا دقائق حتى كانت سيارة إسعاف متوقفة وعدد من سيارات الشرطة وأخذوا في طرح الأسئلة عليه وتم إخراج المرأة التي في السيارة ولم تكن على أي درجة من الجمال بل كانت امرأة عادية في سن الأربعين تقريباً وحتى يتعرف إليها فقد ذهب إلى المستشفى وبعد فحصه وتبين أنه لم يصب بأذى دخل إلى الغرفة التي ترقد فيها المرأة التي حطمت سيارته وكانت في حالة ذهول شديد فانجذب إليها دون أن يكون فيها واحد في المئة من صفات زوجته وبدأ بينهما تعارف ليكتشف أنها مطلقة بعد ثلاث زيجات فاشلة  ولديها ستة أبناء ،اثنان منهم في الجامعة وأصغرهم في المرحلة الثانوية ووقعت التي حطمت سيارته في قلبه موقعاً عظيماً ليمتد تحطيمها إلى كل شيء في حياته واعترف لزوجته بأنه أحب تلك المرأة وأنه يرغب في الزواج بها ومع أن الزوجة انهارت لهول الصدمة إلا أنها لم تعارضه واشترطت عليه العدل بينهما فقال لها (آسف) ولكنها لا ترغب في أن تكون معها ضرة.

وهكذا طلق زوجته بعد عشرة عمر لم تنفع معها كل الروابط التي انحلّت رباطاً إثر آخر في لحظة قدرية لم يحسب لها أحد حساباً وإنه لشيء غريب أن يحدث مثل هذا الأمر بعد أن يمر العمر في هدوء وسكينة وسلام.

ما يثبت أن الروابط مهما كانت قوية فإن هناك قوة ما قادرة على أن تفككها عقدة إثر عقدة.

لمي معروف

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار