حب السلفة للسلفة متل الفستان بلا كلفة

الوحدة: 22-11-2020

 

قصص الناس لا تنتهي، لم يترك الأجداد شيئاً إلا وقالوا فيه الأمثال من تجارب اختبروها وجاؤوا لنا فيها بنصائح وأمثال وعتابا ودلعونا، وكنت قد سمعت الجدة تقول لزوجة ابنها الكبير وتدندن (بعتابا) (الله يرحم المتل ما خلى شي وما قال .. مركب الضراير سار ومركب السلايف وقف واحتار) أنت وهي لن تتفقا أبداً خاصة أن هذا الزمن كثرت فيه الأوجاع وصار الناس (كل مين بشد اللحاف لجانبو) جاءت تلك الصغيرة إلى زوجها تشكو زوجة أخيه بعد التنكيل بها بكلمات سخرية مبطنة بالتجريح (روحي يا حلوة لشغلك واتركي الشقى لمين بقى) وهي ما زالت عروساً

 لم تمض على زواجها ثلاثة أشهر، فرد عليها بأنها حسد وغيرة، فسكتت ولم تنطق بعدها بكلمة، لكن سلفتها لم تسكت عن إهانتها و(تعييرها) بالكسل بكل سخرية ومنذ اليوم الأول الذي سكنت فيه بجوارها، والجميع ينصت ويضحك إلا حماتها التي تطلب منها الهدوء واحترام أهل بيتها، وفي إحدى (الصبحيات) العائلية طلبت الأم من ابنيها مرافقتها إلى الحقل كما طلبت من زوجة الكبير ذلك، ففارت عليها ودحرتها بقولها أن تأخذ كنتها الجديدة ناعمة اليدين، وكفاها ما اشتغلت كل تلك السنين وما زالت الأرض باسمها وهي التي وعدتها أن يكون لها ولأولادها النصيب الأكبر جزاء أعمالها وزرعها، لكن الأم التي تولي الصغير كل حبها وتفخر به لأنه دكتور بالجامعة وأخوه لم يأخذ الإعدادية ويفلح الأرض ويحفظها بالأطياب العامرة والمحصول للجميع، أقفلت على الموضوع وكانت قد أبرمت عقداً مكتوباً لولديها بالأرض ليخلفاها بعد موتها بالإنصاف، ولم يكن عدلاً عند الكبير الذي أقعدته معها بالبيت وأفنى شبابه مع زوجته وأولاده في الزرع والفلاحة وأشغال الأرض التي لا تنتهي وتنهك الجسد لتكثر الأمراض فيه، وأخاه الصغير قد نال تعليمه كاملاً وتزوج ست الستات بنت جاه ولديها عملها الخاص والفلوس، وكل هذا وقد أهداها البيت والسيارة من حساب البيادر والمحصول، ولم يستح أو أخوه يشتكي لتنطق زوجته بالظلم وترفع يدها عن الشغل وتقول لحماتها: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) دعي كنتك الجديدة تشتغل معك، ولن أدوس الأرض لا أنا ولا أولادي الذين أشعر حيالهم بالعجز، فقد حرموا كثيراً وتعبوا معنا ليأتي غيرهم ويأخذ كل شيء ببساطة ودون جهد، وهذه الحياة صعبة وكل شيء فيها بارتفاع والأولاد بمدارسهم وجامعتهم يحتاجون لمصاريف كثيرة، فليعمل كل واحد بأرضه ويكون له فيها ما جناه . (عقربتين ع الحيط ولا سلفتين بالبيت) كل يوم نصحو وننام على صوت الجيران وشجار لا ينتهي بينهم، كما يقول السيد عصام، بعد أن قسمت الدار بين الأخوين في ضاحية بسنادا وسكنت السلفتين بلا حوائط ولا جدران غير عند الجدال والخصام، ويقف الأخوان في صدام يومي ( الحق على زوجتك .. لا على زوجتك) والأب بينهما حائر يشتم ويسب ويسأل الله العفو من لسانهما ليرجع عائداً إلى فراشه ويلعن الفقر الذي لحق بولديه ليتركا بيوتهما الصغيرة التي استأجراها بخمسين ألفاً ولم يستطيعا لها سبيلاً بعد هذا الغلاء واستفحاله بهما بؤساً وشقاء والراتب قليل، فكان أن دعاهما بعد وفاة والدتهما لمشاركته السكن شرط الاعتناء به بعد مرضه، كما أن لنفسه في الأمر نصيباً أن يكون قريباً منهم ومن أحفاده الذين يتقاتلون كل حين لأتفه الأسباب ثم فجأة تراهم يلعبون ويعلون الضحكات وهو ما يدخل الفرح والسرور على قلبه، لكنه يكره ما تقوم به السلفتان ولا يعرف مصدر كل هذا الاحتدام والصراع ويسأل ولديه الرحمة والرأفة به وإلا فالشارع لهما ويرفع الصوت الذي يخرق جدار الصمت بعد الغليان: أين الغداء.

 (حب السلفة للسلفة متل الفستان بلا كلفة) هذا ما أشارت به سوزان العلي التي تسكن في حمص ولا تأتي لبيت عمها غير للاصطياف وجني الزيتون، تقول: يجب أن تتعاملي مع الحماة والسلفة برسميات، وتكوني على مسافة واحدة بين الجميع، فلا تزيدي عليهن بالكلام ولا ترخي حبال الود بينكما فتعيشين بسلام، أحبهن جميعهن ولدي ست سلفات ولكن كل منهن تحكي على الأخرى ولا أريد أن أكون بينهن في القيل والقال ولا الأعياد ولا الاحتفالات ويكدن يشبهن نصف دزينة من الفساتين عندما يجتمعن بالمناسبات وغيرها في الزيارات، فلكل منهن دارها ورزقها أما الحب بينهن فهو كما هذه الأيام يقاس بأوزان تحملها ولو بكلفة، وأنا لا أحب هذا القول لكنه الواقع نعيشه بكل تفاصيله، وتبقى واحدة منهن الأقرب لنفسي وأحسها كأختي، لكني مع كل هذا الحب الذي أكنه لها أعاملها كما غيرها وأزيد عليها من الإطراء ولا أريد أن يكون لها ولغيرها حساب ففي هذه الأيام الصعبة ليس الأخ لأخيه، فكيف السلفة؟

 هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار