الفكاهة.. أداة وقاية من كلّ ما يرهق النفس وينغص العيش

الوحدة 4-11-2020

حياتنا تحتاج إلى جرعات كثيرة  من الفكاهة علّها تموه شيئاً من أكوام الجدية المفرطة , وكلما زادت متاهة العيش نحتاج إليها أكثر , فهي خلطة متجانسة قريبة من الفرادة والغموض تتشكل لمعاكسة الجدية المؤذية أو تفاديها عبر الغموض المختلط هزلاً والمتوائم مع اللاجد والابتعاد عن العبوس , وكما يقول ميلان: ( ليست الفكاهة إذاً الضحك والسخرية والهجاء, إنما هي نوع خاص من الهزل).

الفكاهة أداة وقاية من كل ما يرهق النفس وينغص العيش, فن أدبي يحمل طبيعة جماهيرية لأنه يغوص في أعماق الوجدان الجمعي ويطرح همومه وآلامه بطريقة مضحكة- مبكية تصل بسرعة إلى هدفها, يتسم بالغموض الذي  يتجلل به مقاصد كل ما يقال على سبيل الفكاهة, ومن خصوصياتها أنها تدخل الفوضى في النظام اللغوي والتصرف الاجتماعي المعروف, وحالة من التفاعل المبطن مع الأحداث , وأن غالبية الناس غير قادرة على استيعابها أو ممارستها كونها تحتاج إلى مستويات عالية من الذكاء.

الفكاهة تنقذنا من الجدية المفرطة ووسيلة للإيحاء بالغايات المرادة ولفت الأنظار إليها وتوجيه الأصابع نحوها وتطويع يوميات حياتنا وإعادة خلقها وتحريك الحديث والحوار إلى مستويات جديدة وتدويره ليكون خارج المنطق اليومي وخارج عن القياس لتسليط الضوء على المشاكل المعيشية والمسائل المجتمعية والسياسية ووضعها تحت المجهر لاطلاع القراء عليها .

الفكاهة حيلة عكس الجد لابتكار روح متجددة تتصاعد من غبار الأزمات والمشاكل , وهي جزء من ثقافة الشارع تنطق بلسان ناقد لظواهر باتت تقضّ مضاجع الناس وتقلق بالهم ومستقبلهم , وإحدى طرق التعبير والترويح عن النفس تجعلنا نبتسم رغم  جراحنا, عبر تحويل الأزمات والآلام والأوجاع إلى نكات وطرق ظريفة تسجل ما يدور في أروقة وكواليس المجتمع حسب تفسيرات ومقاصد صاحبها وتعبّر عن نبض الشارع وتحمل رسائل مبطنة لأولي الأمر بأن قضية شائكة تبحث عن حل أو جرح ينزف بحاجة إلى علاج.

الفكاهة حالات تعاطفيه وبساطة تحاكي الغالب الأعم من المجتمع وهناك كتاب يتميزون بظرافة إنتاجهم الذي يهدف إلى الإشارة إلى مكامن الخطأ وإصلاحه وليس إضحاك القارىء, والتشبّه بالحيوانات والبهائم والطيور واستخدامها  في السرد والتمثيل على لسانها وتقديم الخلاصات والنتائج والحكم والمواعظ على لسانها لتكون دلالات منطقية على واقع مفروض معاش عبر قصص وحكايات وروايات  تدور حول الحماقة والجهل , والفطنة والذكاء , وبين الفقر والغنى, والسلبيات والإيجابيات الحياتية .. الفيلسوف توماس هوبز يقول: ( لا يكون مخترع الفكاهة إلا كل من تجاسر على اختراع طريقة عيش قادرة على تخطي كل أشكال الموت التي تخلفها الحروب ).

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار