شخص ومجموعة كراسٍ

الوحدة 4-11-2020

الشخص الذي أريد أن أتحدث عنه موجود بيننا بعدة وجوه وأسماء وهو ليس شخصاً بعينه بقدر ما هو ظاهرة تحيّر بعض الناس وتربك بعضهم الآخر تحيا ببذخ وتموت في هدوء شديد، وقد نجح هذا الشخص في الحياة مادياً بشكل منقطع النظير ولأنه ديكتاتور إن صح التعبير فقراراته حاسمة ولكن يفكر التاجر الشاطر الذي لا يفوت فرصة سانحة ولو على حساب (الضحايا)..

وقد كبرت أعماله واتسعت إلا أن مشكلته أنه لا تحيط به إلا الفئة الخانعة من الناس فهو لا يطيق من لديهم رأي أو يرغبون في النقاش والحوار والإقناع والامتناع وقد أفاد من خبرته الطويلة في إدارة الأعمال الناجحة وكرّس لنفسه حياة مترفة ولكن له وحده فزوجاته تركنه تباعاً .فالأولى أخذت أولادها وسكنت بعيداً ورفضت أن تأخذ منه حتى النفقة الشهرية لأبنائها وآثرت أن تعمل مدرسة براتب عادي لتربي أولادها من دون عقد ومن دون دلال زائد وبذخ وترف وفي الوقت نفسه دون إذلال وسوء معاملة من الطراز القديم والثانية هجرته وجرجرته في المحاكم حتى أخذت منه الكثير والثالثة دخلت مصحاً نفسياً للعلاج من الاكتئاب ولهذا فهو طول الوقت محاط بمجموعة كبيرة من الكراسي التي لا يجلس عليها أحد ففي شركاته يجلس وحده في المكاتب الكبيرة الشبيهة بمكاتب الوزراء ولأنه لا يطاق فليست لديه صداقات أو علاقات وإذا تجرأ أحد وعزمه على مناسبة اجتماعية فإنه لا يلبي الدعوة ويركب في سيارته الفخمة مع السائق ولا ثالث معهما ثم يدلف إلى داخل قصره الممتلئ بالخدم والحشم فقط من دون زوجة أو أولاد أو حتى ضيوف ويجلس إلى مائدة عامرة بما لذّ وطاب من الأطعمة التي تكفي عشرين أو ثلاثين ضيفاً ثم يأكل وحده هو والكراسي الوثيرة المحيطة به من اليمين واليسار ويدخل إلى غرف القصر وصالاته حيث يوجد داخل فيلا القصر حوض سباحة كبير يكفي لمئة شخص ويسبح فيه وحده بل إنه يذهب في يخته الفخم هو والملاحون فقط ويسبح في البحر منفرداً وهكذا تمضي حياته مع كل ما لديه من ثراء فاحش في وحدة قاتلة عزل بها نفسه عن العالم..

ولأنه يخشى الكبر والشيخوخة وتقلبات المرض فقد أعدّ خطة لوجستية لمواجهة ذلك تمنع الورثة من الوصول إلى شيء ما دام على قيد الحياة ومن جملتها الأموال المخصصة لتطبيبه وإقامته في المستشفى وتغطي ما يعادل خمسين سنة من الإقامة الدائمة في مستشفى خمسة نجوم بإشراف طبيبه الخاص أو من يفوضه ذلك الطبيب إذا ما عجز أو مات الطبيب الخاص ثم وضع أو خصص أموالاً في حساب لا يستطيع أن يعبث به أحد بجنازته وإجراءات دفنه ليظلّ بعد ذلك وحيداً في قبره إلى يوم القيامة.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار