(التقديم والتأخير في مكوّنات العمدة في الجملة النحوية وتداعياته البلاغية، دراسة تطبيقية في المفضّلات)

الوحدة 29-10-2020

 

 

قدّمت الطالبة هديل ناصر رسالة ماجستير في قسم اللغة العربية ،اختصاص لغويات بعنوان (التقديم والتأخير في مكوّنات العمدة في الجملة النحوية وتداعياته البلاغية ،دراسة تطبيقية في المفضّلات )بإشراف أ.د.حسين وقاف إذ جاء فيها : درجَت العربيةُ في صياغةِ كلامِها على ما يقتضيه ظاهرُ الحالِ من المطابقةِ والوضوحِ ،لتؤدي بذلك معانيها التي تَرِدُ عليها وضعاً واستعمالاً ،وقد تَعْدِلُ عن ذلك الظّاهرِ غيرَ عابئةٍ بما تستوجبه سننُ المطابقةِ في التّعبيرِ وأحكامِ الصّنعةِ ،لا اجتراءً ولا عبثاً ،بل قصداً منها إلى إشارةٍ لطيفةٍ أو ملحظٍ دقيقٍ . والتّقديمُ والتّأخيرُ مظهرٌ من مظاهرَ كثيرةٍ تمثّلُ قدراتِ إبانةٍ ،أو طاقاتٍ تعبيريّةٍ يديرها المتكلّمُ اللّقن إدارة حيّة وواعية ،فيسخّرها تسخيراً منضبطاً للبوح بأفكاره وألوان أحاسيسه ،وخواطره المختلفة . فبناء العبارة في الحقيقة بناء خواطر ومشاعر واختلاجات قبل أن يكون هندسة ألفاظٍ ،وتصميم قوالبٍ ،وإذا كان السّياق سياقاً فيّاضاً وحافلاً أبدت هذه البنى النّصيّة للكلمات غنًى وفيضاً . ولعلَّ هذا ما نوّه به عبدُ القاهر الجرجاني حين قالَ في صدرِ حديثِه عن بابِ التّقديمِ والتّأخيرِ :”هو بابٌ كثيرُ الفوائد ،جمُّ المحاسنِ ،واسعُ التصرُّفِ ،بعيدُ الغايةِ ،لا يزالُ يفترُّ لكَ عن بديعةٍ ،ويُفضي بك إلى لطيفةٍ ،ولا تزالُ ترى شِعراً يروقكَ مسمَعُهُ ،ويَلطُفُ لديك موقعُهُ ،ثمّ تنظرُ فتجدَ سببَ أنْ راقكَ ولطُفَ عندك أنْ قُدِّم فيه شيءٌ ،وحُوّل اللّفظُ عن مكانٍ إلى مكانٍ” . فإذا كانَ الأصلُ في كلِّ ترتيبٍ لغويٍّ هو اللّغةُ نفسُها ،ولمّا كانتْ هذه اللّغةُ هي المادةُ الأولى التي يتشكّلُ منها التّركيبُ ،كان التّقديمُ والتّأخيرُ في كلماتِها من أهمِّ ما يصيبُ التّراكيبُ اللّغويّةُ ،ولهذا فقد نالَ التّقديمُ والتّأخيرُ حظاً وافراً من الحديثِ سواءً من قبلِ النّحويين أم من قبلِ البلاغيين الذين أولوه اهتماماً كبيراً . وهذا ما دفعني إلى السّعي لتقديمِ بحثٍ في التّقديمِ والتّأخيرِ يتقصّى آراءَ علماءِ النحو واللّغةِ من جهةٍ ،ويتتبعُ نظرةَ البلاغيين حولَ ما يقطنُ وراءَ هذا البابِ من إشكاليّاتٍ دلاليّةٍ وجماليّةٍ من جهةٍ أخرى . ليكونَ منطلقاً لدراسةٍ عمليّةٍ جادّةٍ ،تجمعُ بين أصالةِ الدّرسِ النّحويِّ البلاغيِّ ،وعصريّةِ المناهج البحثيّةِ ،والإضاءة على أسلوبِ التّركيبِ والأسسِ الأصيلةِ في بناءِ المعنى ،وتحليلِ المكونات الرئيسة لتشكيل هذا المعنى ليس اعتماداً فقط على اللّفظ، بل أيضاً باستخدام جميع القرائن الدّالةِ ،وأهمُّها التّرتيبُ اللّفظيُّ والسّياقُ . ولمّا كانَ النّصُّ الشّعريُّ هو الأكثرُ تأثيراً بهذه الظّاهرةِ ،فقد آثرتُ أن يكونَ التّطبيقُ في إحدى مصادرهِ المهمّة ،ولم أجدْ أفضل من المفضّليّات مصدراً شعريّاً ولغويّاً مهمّاً من مصادرِ الشّعرِ العربي القديمِ ،إذْ هو أولُ كتابٍ من النّاحيةِ التّاريخيّةِ يضمُّ مختاراتٍ من عيونِ الشّعرِ العربيِّ القديمِ برواياتٍ موثوقٍ بها ،فقد اشتملتْ المفضّليّاتُ على قصائدَ حماسيّةٍ رائعةٍ وغزلٍ رفيعٍ ،ورثاءٍ بديعٍ ،ووصفٍ غاية في الرّوعةِ . وهذا ينبئُ عن أنَّ المفضّلَ الضّبي قد أجهدَ نفسَه في الاختيارِ والانتقاءِ من تراثٍ شعريٍّ ضخمٍ . أمّا السّببُ المباشرُ لاختيارِ المفضّليّات فكانَ الفضلُ فيه لرأي أستاذي المشرف الدكتور حسين وقّاف . ويهدفُ البحثُ إلى تكوينِ رؤيةٍ علميّةٍ واضحةٍ حول العلاقةِ الجدليّةِ بين العاملِ النّحويِّ والترتيباتِ الإجرائيةِ داخلِ الجملةِ ،وعلاقةِ كلِّ ذلك بالنّاطقِ الفاعلِ ،وتأثيرِ ذلك كلِّه في بناءِ الدّلالةِ . كما يحاولُ البحثُ تمحيصَ علاقاتِ الارتباطِ التّلاؤميّةِ الأفقيةِ التي تنشأ بينَ دلالاتِ مكوناتِ الجملةِ قبلَ وبعدَ التّقديمِ والتّأخيرِ ،ومحاولةَ التّوصلِ إلى الصّلةِ بين تلك العلاقاتِ وعلاقات الرّبطِ بين المعاني النحويّةِ الوظيفيّةِ داخل الجملةِ . أمّا المنهجُ المتّبعُ في هذا البحثِ فهو المنهجُ الوصفيُّ مستنداً إلى التّحليلِ الأسلوبيِّ الجماليِّ في بعضِ الأحايين بغيةَ الوقوفِ على بعضِ المعطياتِ النّحويّةِ والأسلوبيّةِ ،وربطِها بالدّلالةِ المتكوّنة من جرّاءِ ذلك ،وما ينتجُ عنها من آثارٍ معنويّةٍ وجماليّةٍ في تشكيلِ الصّورةِ النهائيةِ للنّصِّ أو الخطابِ شعريّاً كانَ أم نثريّاً . هذا ولمّا عزمتُ على دراسةِ التّقديمِ والتّأخيرِ في المفضّليّاتِ كانت أمامي عدةُ شروحٍ لها ،بيْدَ أنّ اعتمادي الرئيس كان على تحقيقِ الأستاذين أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون اللذين التزما في تحقيقهِما شرحاً مختصراً للنّصوصِ الشّعريّةِ مستقى من شروحِ المفضّليّات القديمةِ مع فهارس قيّمة ومتنوعة . كما أفدتُ في دراسةِ التّقديمِ والتّأخيرِ من مصادرَ ومراجعَ متنوعةٍ من كتب اللّغة والبلاغة والنّقد والأسلوبيّة الحديثة ،أذكر منها على سبيل التّمثيل ما جاء من ملاحظات سيبويه ولاحقيه حول الجملة ومكوناتها ،وترتيب الكلم فيها وغير ذلك من القضايا النّحويّة التي تمسّ صلب البحث . وما تناقلته الدّراسات الحديثة من رؤى أصحابها تأييداً أو خلافاً لنظرة اللّغويين القدماء ،من مثل الدكتور فاضل السّامرائي ،والدكتور تمّام حسّان ،والدكتور خليل أحمد عمايرة وغيرهم . وفي البلاغة ما جاء به الجرجاني في دلائل الإعجاز ،ومن نحا نحوه في الدّرس البلاغي قديماً وحديثاً ،إضافة إلى الأحكام اللّغويّة والآراء التي تناقلتها كتب اللّسانيات والأسلوبيّة الحديثة ،والرّسائل العلميّة والدّوريات . وقد اقتضت طبيعة البحث أن يأتي في مقدمةٍ وخمسةِ فصولٍ ،يتبعُها خاتمةٌ وثبتُ المصادرِ والمراجع ،تناولتْ المقدمةُ مسوغاتِ البحثِ وأهميتَه وأهدافَه ومنهجَه وخطةَ البحثِ فيه . وجاء الفصل الأولُ موسوماً بعنوان (الجملة النحويّة ومكوناتها) تناولتُ فيه مفهومَ الجملةِ قديمَها وحديثَها ،وتقسيمَها لدى القدماءِ والمحدثين ،ومعانيها الدّلاليّةِ والبلاغيّةِ ،لأنتقلُ بعد ذلك إلى الكلامِ عن مكوناتِها الأساسيّةِ والعلائق التي تُبنى عليها ،فتناولتُ الإسنادَ والعمدةَ والفضلةَ ،ووسم الفصل الثاني بعنوان (نظرية العامل ونظام الجملة) ،بدأتُ بالحديثِ عن مفهومِ العاملِ وموقفِ العلماءِ القدماءِ والمحدثين من العاملِ وطبيعتِهِ، لأنتقل من بعدها لبنيةِ العاملِ وأثرِها في معمولاتهِ . في حين ِجاءَ الفصلُ الثالثُ بعنوانِ (العدول الرتبي والدلالة) الذي تناولَ مفهومَ الرتبةِ والتقديمِ والتأخيرِ ،وما يجري من عدولٍ رتبيٍّ في الجملةِ الاسميةِ وبابِ الأفعالِ وبابِ الأحرفِ المشبَّهةِ بالفعلِ والجملةِ الفعليّةِ . والفصلُ الرابعُ كانَ عن العدولِ الرتبيِّ وعلمِ اللغةِ الحديثِ؛ إذ تناولَ موضوعَ الرّتبةِ ونظريةِ التّوليدِ والتّحويلِ، وأثرَ الرتبةِ في تحديدِ نوعِ التركيبِ والوظيفةِ، واختلافِ الدلالةِ باختلافِ صورةِ التّركيبِ، ومنْ ثمَّ وقفَ البحثُ على أسلوبيةِ العدولِ الرتبيِّ من خلالِ الحديثِ عن أثرِ التّقديمِ والتأخيرِ في الأسلوبِ والسّياقِ والمقامِ، ودورِ المتكلّمِ والمتلقّي بينَ قصدِ وإدراكِ هذا التقديمِ أو ذاك، وأثرِ ذلك كلِّهِ في إنتاجِ النّصِّ وجماليّته. أمّا الفصلُ الخامسُ فكانَ الدّراسةَ التّطبيقيّةَ لما جاءَ في الفصولِ السّابقةِ فتطرّقَ بدايةً إلى التعريفِ بالمفضّليّات وصاحبِها وسببِ جمعِها وقصائدِها وشعرائِها ،ومن ثمَّ رصدَ ما تمكّنَ رصدَه من تقديمٍ وتأخيرٍ على مستوى الجملةِ الاسميّةِ والفعليّةِ ومتعلقاتِها . لينتهي البحثُ بخاتمةٍ كانت خلاصةَ ما توصلَ إليه البحثُ من نتائج وبعدُ ،فهذا ما استطعتُ قولَه في هذه الدّراسةِ ،والأملُ أن يكونَ اتجاهَ القولِ نحو الصوابِ والموضوعيّةِ ،فإن يكنْ ،فهذا جُلُّ ما أتمناه ،وإلا فحسبي أنَّه جهدٌ مخلصٌ ،عملتُ فيه جادّةً، تحثُّني محبتي لهذه اللّغةِ وأساليبِها على قراءةِ الشّعرِ قراءةً متأنيةً مستقصيّةً ،ليتنامى مع هذه القراءةِ فهمي لهذه المسألةِ النّحويّةِ والبلاغيّةِ في لغتنا العربيةِ . فأرجو أن ينالَ عملي الرضى والقبولَ .

 وفي الختامِ تقدمت الطالبة بوافرِ الشّكرِ والامتنانِ إلى عضوي لجنةِ الحُكْمِ الدكتور مصطفى نمر والدكتور صفوان سلوم، لما لهما من دور في مناقشةَ هذا البحثِ ،وتقويمه ،وبيان هفواتِهِ، على الرغم من مشاغلِهما الجمَّة . والشكرُ الكبيرُ للأستاذ الكريمِ المشرف الدكتور حسين وقّاف ،لما لَه عليّ من أيادٍ بيضاءَ ،وفي متابعته  البحثَ خطوةً بخطوةٍ ،ولم يبخلْ بمشورةٍ تزيلُ عثرةً ،أو نصيحةٍ تقوّمُ اعوجاجاً ،فجزاهُ اللهُ عني كلَّ خيرٍ . وتقدمت بالشّكرِ والثناءِ إلى رئاسةِ جامعة تشرين وإلى عمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة ممثلةً بعميدها الدكتور إبراهيم البب، وإلى قسم اللّغة العربيّة ممثلاً برئيسه الدكتور تيسير جريكوس، والسّادةِ أساتذةِ القسمِ الكرامِ ،وكلِّ من قدّموا المساعداتٍ علميّةً أو معنويّةً من الأهلِ والأصدقاءِ والزملاءِ .

نوال ناصر

تصفح المزيد..
آخر الأخبار