بين الواقع والطموح…أدب الطفل وفنه في ندوة حوارية مركزية لاتحاد الكتاب العرب

الوحدة : 22-10-2020

يجمع الكثير من النقاد على أن فن الكتابة الجيدة للأطفال يكمن في الخروج عن المألوف والمحاكاة الحقيقية لعالم الطفل ولكن بكثير من الحكمة والاهتمام وبمزيد من الحرص على التعامل مع التفاصيل الممتعة لكل مكوناته، فنرى الكتاب والشعراء يعايشون الأطفال في حركاتهم وتصرفاتهم ومواقفهم اليومية ويمسكون بأفكارهم التي يستقونها من واقعهم الخاص الذي لا تحده قواعد ولا قوالب، فيلونون لهم الطبيعة في قصصهم بألوان تخرج عن المألوف ويقدمون لهم النصيحة أو المعلومة من خلال حوار غير منطقي بين مكونات متناقضة شكلاً ومضموناً أو قد يرشدونهم إلى القيم السلوكية الرفيعة من خلال مشاهد قصصية تثير مخيلتهم وتحفزها على التحليل والاستنتاج الصحيح للقيمة المراد إيصالها.. لكن وعلى الرغم من اجتهاد القائمين على أدب الأطفال من أدباء وشعراء ورسامين لتقديم ما يليق بالطفل من أجل الارتقاء بذائقته الفنية والفكرية والقيمية التربوية، يبقى التساؤل قائماً، هل ما يتم إصداره من مؤلفات وكتب موجهة للطفل يحاكي الواقع والطموحات؟ وما هي الصعوبات التي تعترض سبيل الوصول إلى أدب طفلي حقيقي يتمتع بمقوماته التي تنهض به وبالطفل معا؟ الإجابة على هذه التساؤلات جاءت من خلال الندوة المركزية التي أقيمت للوقوف على أهم المحطات في أدب الطفل وفنه بين الواقع والطموح، ندوة أقامها فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب عبر جلسة حوارية أدارها قحطان بيرقدار رئيس تحرير مجلة أسامة، وشارك فيها كل من الأديبة أميمة ابراهيم، وأريج بوادقجي رئيس تحرير مجلة شامة، وضحى الخطيب فنانة تشكيلية، ورامز حاج حسين المشرف الفني في مجلة أسامة.

في مشاركتها الغنية بهذه الندوة ، بينت الأديبة أميمة ابراهيم أن أدب الأطفال يعاني من العديد من المشاكل التي تعترضه وهناك صعوبات في تجاوزها وأهمها : عدم إمكانية الطباعة الورقية لتكلفتها الباهظة – وحسب رأيها – فإن الوسيلة الوحيدة لإيصال الفكر إلى الطّفل هي الطّباعة الورقية، ومعظم أدباء الأطفال لا يستطيعون ذلك، بسبب التّكلفة المادية المرتفعة للطباعة، لذلك نلجأ إلى الجهات الرسمية للطباعة (اتحاد الكتاب العرب – وزارة الثقافة) الَّتي توقفت الطّباعة الورقية فيها فترة طويلة من الزّمن بسبب جائحة كورونا، والآن عادت المنشورات الورقية للظّهور، وقد اطلعت على معظم المنشورات المطبوعة في الجهات الخاصة والتي تتمتع بطباعة ورسوم فاخرة لكنها في أغلبها تخلو من المضمون الهادف، بل قوامها الاستسهال في الكتابة للطفل على صعوبتها وأهميتها، وعندما نتطلع إلى واقع أدب الطفل وطموحاتنا فثمة غصة كبيرة تنتابنا ونتمنى أن نتجاوزها. كما أشارت إلى إن تجربة الملحق الصادر عن الاتحاد كانت تجربة ناجحة، لكنها تحتاج إلى الصقل واستكمال النواقص من خلال رفدها بورشات عمل تستطيع أن تكمل النص بالرسم المناسب له محلياً، وليس المستورد من الانترنت وغيره، ولكن على صعيد المضمون النصوص ناجحة.

وفي حديثها عن – مجلة شامة – كرافد أساسي للأدب الموجه للطفل ، قالت رئيسة تحريرها أريج بوادقجي : تتوجه مجلة شامة للأطفال من عمر (4 – سنوات، ولهذه المرحلة الزمنية احتياجات تختلف عن المراحل الطفلية المتقدمة الأخرى، فالطفل يكون في مرحلة التكوين، ولابدَّ من أن يتم التركيز فيها على القيم التربوية بعيداً عن الوعظ والتنظير والإرشاد ضمن فكرة مكثفة إبداعية مترافقة بالرسم المتناسب معها، وليس كل كاتب بقادر على الكتابة لهذه المرحلة، والكتّاب لهذه المرحلة قلائل أو يمكن القول نادرون، ورحلة البحث عن كتّاب لهذه المرحلة رحلة صعبة وشاقة. ولاسيّما في زمن استسهال الكتابة.

كما بيّنت بوادقجي مقوّمات النّص الأدبي لهذه المرحلة بالقول: هناك مشكلة حقيقية في الكتابة لهذه المرحلة العمرية، إذ يُشترط على كتاب النّصوص صياغتها وفق شروط فنية معينة، فهذه النّصوص يجب أن تتقيد بعدد الكلمات أولاً، كما أننا نحتاجُ لفكرة تنتمي لعالم الطفل في هذه المرحلة (4-8) حيث يكون للطّفل خياله وعالمه وقاموسه الّلغوي الخاص، فعلياً، هناك معاناة، حيث يجب أن تكون النّصوص مكتوبة بشكلٍ جيّد، وأن تكون الجمل مكثفة ومترابطة ورشيقة، والطّفل في هذه المرحلة يحب المرح والّلعب، لذلك يجب أن تقدّم الفكرة من خلال ذلك، مبتعدين عن الوعظ والإرشاد الَّذي يُنفر الطفل.. فكلما كان الطفل قادراً على اكتشاف الفكرة بنفسه، كلما استطاعت المجلة تحقيق أهدافها.. وهناك معاناة حقيقية في العثور على كتّاب قادرين على الكتابة لهذه المرحلة العمرية والتّعامل والتّواصل مع فريق العمل، فالتّكثيف والاختصار يحتاج إلى مهارة خاصّة لا يستطيع أيّ كاتب تجاوزها، ومع ذلك استطعنا تجاوز جميع هذه المعوّقات واستطاعت المجلة الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الأطفال. ورغم الجهود الكبيرة وطاقم العمل الذي يجتهد لتقديم المجلة بأفضل صورة ولكن ينقصنا الإمكانات لإيصالها للأطفال في جميع أنحاء القطر، وإن قصرنا في السابق دعونا نعمل للمستقبل.

وعن أهمية الرسوم الموجودة في الكتب والمجلات الموجّهة للأطفال، قالت الفنانة التشكيلية ضحى الخطيب: دخلت مجال أدب الأطفال من خلال حبي لعالم الطفل والخيال المبدع والألوان الجميلة، ففي الأدب الموجه للطفل يجب أن توازي الرسوم إبداع النص المترافق معها، وهي تجربة مميزة في مجال الخيال والألوان، وأمر نفتقده دائماً، عملي هو بناء اللوحة وهذا يعطي قيمة مختلفة للنص، وقد شدّني هذا العمل، وكلما اطلع الرسام وثقّف نفسه، كلما أبدع أكثر في مجال الرسم، ومتابعة تجارب الآخرين لصقل الموهبة أمر ضروري، كذلك متابعة الرسوم الأجنبية تضيف للجميع رؤية جديدة نحن بأمسّ الحاجة لها، ويعدّ استخدام الكمبيوتر للرسم في هذا المجال أمراً مدهشاً، فهو ينتج صورة متحركة ومميزة ومتقنة، وكل فنان يستطيع أن يثبت نفسه في اختيار طريقة الرسم التي تناسبه، المهم أن تشدّ اللوحة الطفل.

وعن الرّسم لمنشورات الطّفل في دوريات الوزارة تابعت القول : بدأت مشواري للرّسم للأطفال من خلال الوزارة، وكبرت وتطوّرت من خلال الملاحظات الَّتي عملت بموجبها بدقّة فتطور عملي إلى الأفضل، أنا أعمل في مجال (كولاج) وهذه اللوحة مكلفة مادياً (التصوير واللصق والتّلوين وغيره) وربما توقفي عن الرسم للمؤسسات الحكومية كان بسبب كثرة التكاليف وقلة الأجور، مادفعني للعمل في دور النشر الخاصة. خاصة وأن نقابة الفنانين التشكيليين لاتقدم خدمات للفنان، لكن على الرغم من الصعوبات يجب أن نعمل لإنجاز أدب مميز يليق بذكاء أطفالنا ورسومات تشبهنا في بيئاتنا وتحاكي أطفالنا.

وعن التطوّر التكنولوجي واتساع الفضاء الالكتروني الذي يفرض على المعنيين بأدب الطّفل مواكبة هذا المضمار أو على الأقل خوضه، أوضّح رامز حاج حسين – المشرف الفني في مجلة أسامة – تأثير هذا الفضاء على صناعة الرّسوم المتحرك كصناعة أساسها الخلق والإبداع، والتي يجب فعلياً أن تكون جميع مقوماتها سورية، (كتاباً وفنانين)، ويجب أن يترابط العمل بشكلٍ وثيق (النّص، كاتب السّيناريو، ورش العمل)، لكن في سورية ينقصنا موضوع الاهتمام بهذه الكوادر، وعلينا أن نراقب ما يعرض على التّلفاز وما يقدم للطّفل، فكلّ ما يعرض على التّلفاز من صناعة رسوم هو إنتاج خارجي بعيد عن واقعنا ومجتمعنا وفكرنا وثقافتنا، لذلك يجب أن نولي الرسوم والفنانين المحليين الرعاية الكافية لتجاوز ذلك.. وحالياً لا يوجد خطّة وطنية لذلك.. وكل المنابر مقصّرة في هذا المجال. وفي الواقع لا توجد تجارب على الساحة الفنية بسبب عدم وجود مموّل على الرغم من وجود المواهب والكوادر المميزة والموهوبة.

وعن المؤسّسات الحكومية وما قدّمته من إنتاج قال حاج حسين: للأسف لم تستطع المؤسسات الرسمية حتى الآن إدراك الأهمية الحقيقية للرسوم الموجّهة للطفل، لدينا جيل مؤهل يعمل في هذا المجال يحتاج للتوجيه، ، لذلك لابدَّ من العمل على إنتاج عمل محلي يحمل الفكر الوطني ويقدّم الطفل السوري بصورته الحقيقية، بدلاً من استيراد فكر أجنبي يقدم للطفل ويجب أن نباشر بالعمل على إنجاز هذه الفكرة. نحن قادرون على صنع ثقافة خاصة بنا، ولكن نحتاج إلى الدعم المناسب، وأدعو للنفير السوري العام لثقافة الطفل.

وبالحديث عن مبادرة اتّحاد الكتّاب العرب لتحويل ملحق الطّفل إلى مجلة “شام للطّفولة” وجعلها دورية ضمن إصدارات اتحاد الكتاب العرب، نوّه حاج حسين بمشكلة مهمّة جدّاً وهي الرّسوم المأخوذة من النت، يقول: نحن نحتاج هويةً بصريّةً، و يجب أن يكون هناك إشراف فني على الرّسوم، فالرّسوم المأخوذة من النّت هي رسوم فنية لا تتناسب مع مجتمعنا فعلياً. وبيّن مدير الندوة مقرر جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب قحطان بيرقدار عبر الحوار أن ثقافة الطفل التي تتضمن الاهتمام بالرسم والأدب باتت ضرورية ولابد من العمل على متابعة الدوريات التي خصصت لأدب الأطفال بشكل متطور ينهض بالطفل ويحميه من كافة الإشكاليات والرؤى التي يقدمها هذا الأدب في مضمونه وموضوعاته .

 فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار