الزيتون بـ (تعفير وتنبير)

الوحدة : 22-10-2020

تمر هذه السنة بقحط وشحط على كل الناس وتشد وتشتد لتضيق عليهم سبل الحياة، وفي هذه الأيام التشرينية حيث يقصر النهار ويطول الليل (بأيام الزيت صبحت مسيت) يصول الناس ويجولون في كروم  الزيتون لجنيها وتقطير الزيت وتعبئة مونتهم منها والذي يعد مخزوناً رئيسياً يحرك مطبخ البيت، وتراهم هذا العام جميعهم يقولون :إن المحصول ضئيل وليس في كل شجرة غير بضع حبات هنا وهناك فهم (يعفرونها) والشاطر من يطلع بمونة البيت وليس بمقدورهم البيع كما كل عام، وقد ارتفع سعره ليصل كيلو الزيتون للمونة بألف ليرة وما فوق حسب نوعه وصنفه والزيت حدث بلا حرج ب 5آلاف وما فوق (واضحك بعبك) إذا صرك أو وقف على هذا السعر نظراً لقلة المحصول واحتراق الأراضي الزراعية في القرى والجبال.

سهام حلوم: لدينا بضع أشجار من الزيتون ونعفرها مثل غيرنا من الناس شغلنا اليوم يسمى تعفير، وهذا العمل كانت نساء تقمن به عند انتهاء أصحاب الحقل من جني المحصول  ويتركون فيه بعض الحبات لتكون من نصيبهن حيث يأتين للتعفير خلفهم وقد يقوم صاحب البستان إن أتت وهم فيه بسكب عبوة من حبات الزيتون في كيس تحمله وتدور فيه بين أشجار الزيتون التي خلص من قطفها أصحابها، ما عادت الأرض تأتي رزقها ومهما تكلفت عليها أصبح الخير قليل، سنة فيه موسم زيتون والسنة التي تليها معدوم مع العلم أننا نقوم بتسميده ورشه وفلاحته ولكن في الأرجح يعود سبب ذلك إلى نبر الزيتون من قبل الناس (الضمانة) بالعصي وتقطيع أغصانه وأوصاله والفروع الصغيرة التي يمكنها الإنتاج هذا العام فيخف ويجف وعند أهلي في بللوران وأقاربي احترق كرم الزيتون الذي كانت آمالنا فيه ولا عاد فيه لا موسم ولا أشجار لأعوام، وقد كانوا يشغلون الناس فيه ليكون لهم حصة ونسبة وقد تتجاوز 25% وهذا كله صار بخبر كان.

أم نضال أشارت إلى أنها لا تملك أرضاً ولا زيتوناً وتأتي من المدينة مع جارتها  لتعفر بعض الحبات في قرى عدة تبدأ رحلتها في كرسانا وقد تتجاوزها إلى حرفوش وبرنة فتنزل في كل يوم بمحطة، وحتى أن بعض ناسها يعرفونها وكانوا يكرمونها ويضعون في حرجها بعض الكيلوات لتجمعها وتضعها في كيس ولعدة أيام وطوال شهر تشرين تقوم بهذا العمل لتحصل على مونتها، كما أنها في أغلب الأحيان تساعد هؤلاء الكرام بعض الوقت، وتؤكد أنها تقوم بالتعفير منذ أعوام عندما بدأ سعر الزيت بالارتفاع وقلت حيلتها في التدبير.

 الأستاذ برهان حيدر، باحث في التراث, أشار إلى أن شجرة الزيتون مباركة ومعمرة, وأغصانها رمز السلام, وتحدث عن قطاف الزيتون  فقال :

تبدأ النسوة بفرش ما يسمى (بمدات ) من الخيش لتتجمع عليها حبات الزيتون, والتي قطفها الشباب ونبروها بأعواد قصيرة, حيث من الأدوات المستخدمة في حواش الزيتون العصي الطويلة والقصيرة وتسمى الواحدة ( نابور ) والمفارش وأكياس الخيش وقد يستعان بالسيبا (وهو سلم خشبي له ثلاث ركائز ودرجات خشبية ), وهنا يتعاون أهالي القرية مع بعضهم في المواسم وقطاف الزيتون, فما إن تنتهي عائلة من جني محصول حقلها حتى تسارع لمساعدة جيرانها وأقاربها, وهنا لقصص الحب صولة وجولة:

شوفا تقطف زيتونا  سوسحني سواد عيونا

وأشار إلى طريقتين لاستخراج الزيت, بقوله: زيت الخريجي الذي يتم الحصول عليه بغلي الزيتون في الماء وسلقه ثم تجفيفه على السطح لعدة أيام, بعدها يجرش بواسطة باطوس حجري على شكل رحى كبيرة تجرها دابة ثم ينقل إلى جرن حجري يوضع به ماء ساخن حتى درجة الغليان, يحرك الزيتون المجروش لينفصل الزيت ويطفو على سطح الماء, ليقطف ويجمع في أوعية فخارية لترقيده والتخلص من ( العكر), ولهذا الزيت نكهة خاصة وجذابة في الطعام وخاصة المجدرة والبرغل بحمص, والزيت الثاني الذي يستخرج بواسطة المعاصر القديمة, حيث يتم تكسيره بواسطة الباطوس ثم ينقل إلى المعصرة ويجمع بوعاء كبير ويوزع على قطع من القنب تسمى ( الخواص ) وترتب في مكبس فوق بعضها يحرك ( بالباروم ) يحركه العمال لزيادة الضغط واستخراج الزيت الذي يتجمع في جورة لها فتحة في الأسفل تغلق ويطفو الزيت في الأعلى ثم يقطف ويجمع في أوعية فخارية منها : ( الخابة والدبليز والجرة والكراز والكرازة والبرش والبريشة وهي من أفضل الأواني لحفظ الزيت بجودته ونكهته, والخابة (القنطارية ) تتسع لأكثر من 500 كغ زينت استخدمت في معصرة عين البيضا منذ عام 1930 وقدمت هدية للمتحف .

( كول خبز وزات وناطح الحاط ) مثل يقال لفائدته الغذائية والصحية, ويقال في ضرورة استخراج الزيت فور قطاف الزيتون ( من السجرة للحجرة ) فهو أفضلها إذ يحتفظ بمادة تعطيه طعماً حاراً وهي مادة مفيدة جداً للجسم من حيث المناعة وتقيه الكثير من الأمراض, كما أن زيت الزيتون استخدم للإنارة قبل البترول, حيث وضع في السراج ليوقد بواسطة فتيل ينير المكان, كما أن بقايا الزيتون بعد العصر تسمى عرجوماً, يعاد عصره في معامل خاصة ليستخدم زيته في صناعة الصابون, ثم يستخدم العرجوم في الوقود والتدفئة.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار