قراءة في المجموعة الشعرية للأطفال (وطني قلبي) للشاعر بيان الصفدي

الوحدة : 14-10-2020

ما بين الوطن والقلب.. تسكن براءة طفلٍ ولغة شاعرٍ يصوغ كلماته وصوره الجميلة بإحساسه المرهف متمنياً أن يصير العالم كوناً من المحبة وأفقاً رحباً من العطاء, عالم يسوده السلام والتسامح ويفيض بخيراته وجماله على كل من يعيش في كنفه وحناياه ، وهذا ما اختزلته مجموعة (وطني قلبي) من قصائد للأطفال ضمّنها الشاعر المبدع بيان الصفدي قيماً إنسانية واجتماعية أراد أن يزرعها في نفوس الأطفال بصفتهم مستقبل الوطن وصنّاع الغد، فمن هو الشّاعر بيان الصفدي، الذي كتب وأبدع في بحور الشعر والأدب خاصة فيما يتعلق بعالم الطفولة وموضوعاتها المتنوعة؟ عن بداياته قال الشاعر بيان الصفدي في إحدى حواراته: (مدينتي السويداء، ومسقط رأسي – الحسكة – عام 1956، وطفولتي ترافقت مع تنقلات العائلة في المحافظات السورية، وفي الثانوية العامة كانت لي منشوراتي في الصّحف السّورية من شعر ومقالات منوعة، وقد كتبت للطفل القصة، والقصة الشعريّة، وكتبت لمسرح الطفل، وعدت إلى التراث الشعبي وأخذت منه، وانتقيت الكثير من المواضيع وإن لم تكن مألوفة، وكان لمجمل الأعمال الانتشار الواسع على مستوى الوطن العربي، وترجم منها إلى اللغة الرّوسية والفرنسية والإسبانية، فأدب الأطفال من أكثر الآداب تشابهاً) و ليّ العديد من الأعمال الغنائية منشورة وملحنة في أكثر من وسيلة مقروءة ومرئية ومسموعة، وأنا أحد المساهمين في كلمات أغاني مسلسل (افتح يا سمسم) وقد شاركت في العديد من الندوات والمهرجانات ولجان التحكيم في مسابقات سورية وعربية للكبار والأطفال، ويشار إلى أن المجموعة الشعرية للأطفال (وطني قلبي) من منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب وتحتوي في داخلها رسوماً للفنانة عزة أبو ربيعة صورت معاني النصوص الشعرية بأسلوب فيه تقنية فنية عالية أما أكثر ما تأثر به الشاعر الصفدي في مجموعته هذه فهو الطبيعة الخلابة الملهمة بجمالياتها وإيقاعاتها البصرية ليكون منها شاعرنا المبدع لوحة شعرية وفنية وموسيقية كقوله في قصيدة (وطني قلبي):

 وطني النبع..

والشلال..

 وطني رايات الأبطال،

 وطني النبع والشلال..

 وطني رايات الأبطال

 في عينيه فجر أكبر.

وبالعودة إلى التراث والأصالة والحضارة استلهم الشاعر الصفدي قصائده معتمداً على الخيال الذي أراد من خلاله أن يجسد قيماً ليستفيد منها الأطفال في بناء شخصيتهم وسلوكهم، قال في قصيدة (الأمير والحطاب):

 في القصر فجراً،

 كان فوق الباب عبارة شاهدها السلطان،

 وقعها الحطاب كأنها أنشودة الزمان،

ليس عظيم الشان.. هنا سوى الإنسان.

كما نرى في مجموعته وجود كبير للإنسان، خاصة الأم التي تمثل الأرض في عطائها وتجسد الأمل والحياة بأجمل أطيافها كقوله في قصيدة (عيد الأم):

 بسمة أمي،

يدها تغمرني كالنسمة،

تمنح قلبي أحلى نعمة،

 كلمة أمي.

 وللبطولة والتضحية المجسدة في دم الشهيد حضور مؤثر في هذه المجموعة الشعرية، فالشهيد شعلة النور التي تضيء مستقبل الأجيال والنار التي تحرق الأعداء وهو الشذا الذي ينتشر عبقه في سماء العزة والكبرياء، حيث قال في قصيدة (الشهيد):

شعلة نور، شعلة نار فيكفي هذا الجبار أجمل وردة حب مالت..

فوق تراب بلادي قالت الحرية.. خير هدية  للأجيال..

تمنحها روح الأبطال.

 أما من الناحية الفنية فقد اعتمد الشاعر في قصائده على الموسيقا الشعرية للأبيات بأسلوب سلس وانسيابي فقد اختار مواضيع اجتماعية من المحيط القريب بالطفل وذلك من خلال الاكتفاء بالصورة الشعرية التي شكلها من الكون والطبيعة كقوله في قصيدة (المطر):

 وتركض الغيوم..

والرياح تصفر..

ويبدأ الرذاذ..

ثم يأتي المطر.

 وعن الشاعر بيان الصفدي وطبيعة شعره نورد من خلال هذه السطور رأياً قاله الدّكتور نزار بريك الهنيدي: (صديقي ينتمي إلى الجيل الشّعري الثّاني من شعراء تجربة الحداثة في سورية، ويعد من أهم الشّعراء في السّاحة الثّقافية السّوريّة، ظهر لديه الميل لكتابة القصيدة القصيرة الزّاخرة بمفردات الحياة الواقعيّة، التي تحول قساوة ما نعيشه إلى نص شعري جميل. وكان له التميز بكتابة شعر الطفل، ليكون واحداً من أهم شعراء الأطفال على امتداد السّاحة الشعرية العربية.

 ويمتاز هذا الشّعر عنده بمجموعة من الصّفات التي تؤهله فعلاً للقراءة من قبل الأجيال العربية الجديدة، وذلك من خلال فهمه العميق للذي يميز قصيدة الأطفال عن قصيدة الكبار، ومن خلال معرفته للمعجم اللغوي الواجب استخدامه والمشترك بينه وبين قارئه الطفل، ومعرفته للأسئلة التي يريد غرسها في أذهان قرائه من الأطفال، لذلك كانت قصائده زاخرة بكل ما يرضي الطفل ويمتعه ويفتح له آفاقه المعرفية التي تنمي فيه حب الحياة والناس والوطن؛ لذلك يختلف عن عدد كبير من شعراء الطفل وأشهرهم).

الجدير بالذكر بأن الشاعر المبدع بيان الصفدي يعدّ من أهم الأدباء الذين تابعوا مسيرة شعر الأطفال في اللغة العربية منذ بواكيرها الأولى، وأنتج مجموعة من الدراسات، أهمها دراسة تتبع فيها مسيرة هذا الشعر بمراحله المختلفة عبر العصور, كما صدر له – ديوان الطفل العربي – الذي تضمن مختارات من شعر الأطفال منذ العصر الجاهلي إلى اليوم، وهو العمل الموسوعي الأول الذي يحمل أهمية توثيقية وقد اغتنت به مكتبات المدارس والمكتبات المنزلية.. ودخلت أعماله في المقررات المدرسية في بلدان عربية عديدة، ومن أعماله الموجهة للأطفال: حكايات جميلة- 10 أجزاء، أغلى كلمة، شعر-  جزيرة المحبة، قصة –  غنوا مع دارين، شعر (بالاشتراك مع الشاعر الكبير سليمان العيسى) –  تحيا الشجرة، شعر – تحيا أبداً، اختيار وتقديم قصائد لشعراء أطفال عن الشام –ديوان الطفل العربي، وقد عمل سابقاً رئيساً لتحرير مجلة أسامة، وكتب في مجلات كثيرة منها: العربي الصغير وأحمد والحياة للأطفال وعالم الطفولة وسمير والزيزفونة، فكان بحق القامة الحاضرة في الساحات الأدبية على امتدادها في الوطن العربي بأكمله.

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار