نساء تعتاش من الزرع وصاحب الأرض يرد (خليها تبور)

الوحدة 1-10-2020

 

قالوا: الحاجة أم الاختراع، وهن: الحاجة أم الاندفاع لأي عمل في هذا الزمن الموجع البائس العصيب.

نساؤنا في مواجهة كل يوم، حيث تفرعت حاجات الأولاد واستكثرت وبرعمت والحال ضيقة وأرضها عطشى وصحراء ليكون جفاف عيش ويباس شتول من الأحلام ولم تعد الحياة معها تطاق، ليتفنن في أعمالهن والخوض فيها والتفكير، والخوض على كل الجبهات وقد ازدادت الضغوط والأعباء، ووصول الأمر بهن لعمل الجدات وما تيسر لهن وقد ملكت أيمانهن علم وهوية جامعات وكنّ موظفات وعاملات في الدوائر الحكومية والمؤسسات، ولم يثنهن ذلك عن دحر الحاجة ورد السؤال عن الأولاد بالعمل المجهد في الحقول ولو قيل عنه (عمل العبيد) لسدّ رمق عيش كريم وتوفير ماء ري الحاجات والاستهلاكيات فيكن وأهل بيتهن بسعادة وارتياح .

أم عبادة_ موظفة في النسيج وتحمل شهادة معهد فنون والحياة فن وطاح بها الجنون كما تقول، فقد  وصلت ابنتها لصف التاسع وليس في رصيدها أي حساب لأجل الدروس الخصوصية كما باقي الرفاق، وقد سمعت جارتها بأن فلانة تدقّ أبواب نساء من القرية تعلم أنهن بحاجة للعمل والنقود ليرافقنها إلى أرضها التي زرعتها بالدخان، لأجل شكه وتعليقه على الأشجار، حيث تأخذ كل منهن على شك خيط بطول 110سم 100ليرة، فما كان منها إلا أن لجأت لتلك المرأة لتستنجد بها وتشغلها بأيام العطل وبعد الدوام، خاصة أنها تعود من وظيفتها باكراً هذه الأيام بسبب كورونا لتسرع إلى الأرض علها تلحق أن تشك 50 خيطاً ليأتيها بعض مصروف البيت والدرس وعندها ثلاثة أولاد، كما أنها تشكو من أمراض مزمنة والقلب عليل وتحتاج كل راتبها من الوظيفة لأجل الدواء مع أنها تحصل من المستوصف الحكومي على بعضه وإلا لاستفحل أمر العوز بأهل بيتها وجف العيش وقل الهناء، تحصل كل يوم ما بين (4000_7000) ليرة حسب اجتهادها ووقتها رغم أنها قد تلفظ الأنفاس، فالعمل غير سهل وشاق وليس من راحة لغير نصف ساعة تأكل بها (سندويشتها) التي أعدتها في بيتها قبل الخروج هائمة على وجهها في الأراضي الزراعية والحقول .

 

أم ربا_ ليست أفضل حالاً من أم عبادة مع أنها خريجة كلية الآداب لكنها مطلقة وغير موظفة و ليس بمقدورها إعطاء الدروس الخصوصية وهي تسكن بغرفة عند زوجة أخيها اليوم، فما كان منها غير أن ترافق زوجة أخيها إلى الحقول وقد لفت منديلها على وجهها والتحفت بقميص فضفاض وقديم فلا يعرفها أحد وجاءت لقطف الثمار وجني المحاصيل حسب الموسم ففي الصيف تقطف الخضار فليفلة وباذنجان وبامياء وفي الشتاء تقطف الليمون وتعبئه في الفلين هي ونساء مثلها كثيرات، وتحصل في نهاية اليوم على 3000ليرة  حسب الشغل وساعات العمل وصاحب الأرض رجل كريم كما تقول: حتى أنه يعطينا حاجتنا من الموسم للمكابيس والمكدوس، والليمون لا يخلو من بيتي طيلة الشتاء .

أم جابر في السبعين من عمرها_ تأتي (لحواش الخضار ) وجني ثمار الزيتون والليمون كما تقول وهي قد اعتادت الأمر منذ سنين طويلة وقد ربت الأولاد وكبروا من مردود ذلك، لكن أحوالهم ضيقة ولديهم زوجات وأطفال، وهي تعفيهم من إعالتها ويكفيهم ما يواجهون من متاعب الحياة، وجميعهم يرجونها ويتوسلون لها أن تجلس في البيت معززة مكرمة لكنها ترفض بشدة أن تزيد عليهم وتثقل وهي بصحة جيدة بل أنها تجد في عملها متعة وتسلية بالإضافة لعيش كريم ودون سؤال، ليمضي يومها بشيء مفيد ولا تحتاج من أحد شيء وكما قالت (الشغل بجوهر) .

ولما كانت أحوال النساء بخير أمن به عيش كريم فكيف هو صاحب الأرض ورب العمل والأسعار اشتعال ؟

عاصم  شاب وسيم في الجامعة أحب أن يدخل سوق الأعمال ويعمل لنفسه مشروعاً زراعياً بما أنه يسكن في القرية، فتشارك مع رفيقه الذي يملك الأرض الزراعية بمساحة دونمين لأجل زراعة الدخان بعد أن قيل وقيل سعر الكيلو سيصل ل(5_7)آلاف ليرة وهو بدوره يقوم بالأعمال والشغل ويتقاسمان باقي التكاليف من فلاحة وسماد ورش مبيدات، وقد وصل لمرحلة أن يقول فيها (خسرانة_ ما بتجيب هما) زرع الدخان على أمل أن يرتفع سعره هذا العام لكن الأحلام أوهام ولم يرتفع غير 500 ليرة فقط مقابل ارتفاع شاهق وفق خط بياني بالطول والعرض لأسعار اليد العاملة وأدوية الزراعة والسماد والفلاحة وغيرها الكثير زادت بأضعاف مضاعفة بالسعر فمثلاً السماد يبلغ سعر الكيس منه (يوريا) 14ألف ليرة وأدوية للحشرات  12500 ليرة الظرف الواحد فقط وقد كان في العام الفائت بسعر 2500 ليرة وللقضاء على الأعشاب الضارة ورشها الليتر ب45ألف ليرة والعام الماضي كان ب5آلاف فقط والعامل في القطاف يأخذ يومياً 5آلاف ليرة وفي حال (الركش) يأخذ 7آلاف ليكون العامل بأفضل حال من صاحب العمل، وما زاد الطين بلة وسوء حال ارتفاع درجات الحرارة التي جاءت فيها الضربة القاضية على المزارعين وزرعهم، وري لا يوجد وكهرباء بالتقنين وتأتي كل فترة ضعيفة لتصيب (الموتورات والغطاسات ) بالحرق والأعطال، كل ذلك وترين (باكيت الدخان تباع بالألف وما فوق ) ودونم الدخان محصوله ب300ألف فقط ؟

 هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار