العصا بين جلد الذات… ولمن عصا!

الوحدة: 30-8-2020

 

وسيلة من وسائل العقاب والضغط والإكراه لا تستخدم لتأديب العاصي الذي يشق عصا الطاعة، وتستخدم مثل السوط للجَلد، ومنها ظهر مصطلح (جَلد الذات) للتعبير عن الإمعان في النقد الذاتي، وقد أخذ نهر العاصي اسمه منها لكونه عصا على الطبيعة ويمشي من الجنوب إلى الشمال على عكس جميع أنهار سورية وينبع من الجبل وينطلق للداخل، ما أجبر أهالي حماه لاستخدام  النواعير لإيصال المياه إلى أراضيهم بغية الري والشرب، والعصا في يد أولي الأمر أداة مخيفة مرعبة يخافها الناس ويرهبونها ويطيعون القائم بالأمر خوفاً أو طمعاً أو رغبة، فمن أطاع سَلم وغَنم، ومن عارض وانتقد حُرم وظُلم، ومن تمرد جُلد ولُظم، وكما يقولون جنت على نفسها براقش.

العصا وسيلة يتكئ عليها كبار السن وتساعدهم في المشي والوقوف، ويستخدمها الراعي لتسيير القطيع وضبط مسيره وتأديبه، وكان سيدنا موسى يستخدم عصاه للتوكؤ عليها ويهشُّ بها غنمه وله فيها مآرب أخرى، وإذا رماها أضحت بفضل الله حَيَّة تسعى، والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عندما طرد الاستعمار البريطاني من مصر بعد ثورة 23 تموز 1952 قال: (ليحمل الاستعمار البريطاني عصاه ويرحل) وكانت تصنع تقليدياً في القديم من سعف النخيل، ومصغر العصا هو العصية وجميعنا نذكر (عصيات كوخ) جراثيم السل التي اكتشفها العالم الألماني روبرت كوخ على صفيحة مجهره.

للعصا الكثير من الاستخدامات، ففي الغرب يستخدمها الضرير وتكون بلون أبيض للفت نظر الآخرين إليه وخاصة السائقين كي يحاذروه أثناء قيادتهم وإعطائه الأولوية في العبور، واستخدامها يجب أن يكون بحكمة ومقدار مثل استخدام الدواء، وهناك صنف من التلاميذ لا يدرس إلا والعصا فوق رأسه باستمرار، طالب كسول يحتاج إلى رقابة دائمة على مدار الساعة، مشاغب متعود على التسيب والإهمال، فور غيابه عن عين الرقيب سواء في البيت أو المدرسة يتحول إلى اللهو والعبث واللعب ومضيعة الوقت، والكثيرون يتهكمون على من يتخرج من المدرسة بلا معرفة ويقولون عنه (لا يميز الألف من العصا) وفي بريطانيا تطالب نسبة كبيرة من الآباء – المدارس بإعادة استعمال العصا مع التلاميذ لضبطهم، وهناك مثل بريطاني يقول: (اترك العصا… لتفسر الطفل بالنتيجة) وقد نبهت الشريعة الإسلامية لضرورة حسن التعامل مع المرأة برقة ولين عند التأنيب والعقوبة لا باستخدام العصا، حيث آخر العلاج يكون الكي، وكما يقول المثل: إذا أطعمت أشبع وإذا ضربت أوجع.

المتنبي كان يناصب العداء للعبيد، وقد جافاه الصواب عندما تجنى عليهم واتبع هواه معهم تشفياً وانتقاماً، وجعل من قضيته الشخصية مع أحدهم الذي لم يعره اهتماماً وتقديراً شأناً عاماً وصب جام غضبه على فئة كاملة ضعيفة هشة من البشر وكمن يقول: اذكر الديب وأحضر القضيب، أو كما يقول مثل إقطاعي: (إذا لم تضرب الفلاحين ضربونا)، يقول المتنبي:

لا تشتري العبد إلا والعصا معه    إن العبيد لأنجاس مناكيد.

وما أكثر العبر، وما أقل المعتبرين…؟!

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار