عالم الأطفال الافتراضي .. بين الآثار السلبية والإيجابية

الوحدة 26-8-2020

عاش أطفالنا- في الفترة التي رافقت الحجر الصحي بسبب فيروس كورونا- أجواءً غير صحية في العديد من النواحي الجسدية والنفسية والاجتماعية، إذ اضطر الأهل في معظم الأوقات إلى التغاضي عن الكثير من القواعد والسلوكيات الصارمة في تربية أطفالهم واستبدالها بدرجات من الليونة والتساهل في المواقف والتصرفات التي لم تكن لتمر في أوقات الظروف الاعتيادية، ومن هذه المواقف التي تعودنا عليها كأهل – في هذه الفترة – هي استخدام أطفالنا الخاطئ للكمبيوتر والموبايل وبالتالي قضاء أوقاتهم بكثرة أمام وسائل التواصل الاجتماعية دون حسيب أو متابعة، وجميعنا نعلم بأن العالم أصبح قرية كونية تسودها وسائل التقنيات الحديثة  التي تختصر الزمان والمكان عبر أجهزة متطورة لا تكلف مشغلها سوى كبسة زر ليتحكم بما يشاهده ويتصفح أحداث العالم من أقصاه إلى أدناه، لكن ماذا تقول الدراسات المختصة عن هذا الاستخدام الذي يتناقض مع أسس ومبادئ التربية في جميع المجتمعات؟

الدراسات التربوية والاجتماعية تلخص الآثار السلبية لوسائل التقنيات الحديثة على أطفالنا من خلال نقل نمط حياة البيئات الأخرى إلى مجتمعنا، ونقل قيم جديدة تؤدي إلى خلخلة نسق القيم في عقول الأطفال وبناء ثقافة متناقضة، كما أن مشاهد العنف الشائعة على هذه الوسائل من ألفاظ وتصرفات وتكرار هذه المشاهد قد  تؤدي إلى قبول العنف كوسيلة استجابية لمواجهة بعض المواقف، ويؤدي ذلك إلى اكتساب الأطفال سلوكيات عدوانية، ومن سلبيات هذه الوسائل أيضاً السهر وعدم النوم مبكراً والجلوس طويلاً أمامها دون الشعور بالوقت وأهميته، مما له أثره على التحصيل الدراسي وأداء الواجبات المدرسية، بالإضافة إلى الأضرار الجسدية والعقلية كالخمول والكسل، والتأثير على النظر والأعصاب وعلاقة ذلك بالصراع مع الآخرين والسلبية تجاههم، والسمنة أو البدانة التي تصيب بعض الأطفال لكثرة الأكل أمام هذه الوسائل مع قلة الحركة واللعب والرياضة.

 وفي ظل هذا التطور والتقدم المذهل لوسائل  التواصل الاجتماعي وجدنا أنفسنا أمام هجمة قوية تجتاح عقول أطفالنا. فكيف نحمي أطفالنا من خطر وسائل التقنيات الحديثة هذه، فمع هذا الوضع المنفتح على جميع القنوات والذي يتيح لأطفالنا كل شيء، أصبح معه أمر المنع غير مناسب ولا معقول.. إذاً لا بد من التعامل بحذر مع هذه الوسائل وإيجاد البديل المناسب، ولا بد من صيغة مناسبة تصل لعقل الطفل، ولا شك أن المسؤولية مشتركة بين البيت والمدرسة وأجهزة الإعلام والمجتمع بشكل عام، فدور الأسرة لا ينتهي عند وضع الطفل أمام وسيلته التقنية الحديثة التي تسهل تواصله مع العالم الافتراضي، ولا أن تنتظر من وسائل الإعلام أن تقوم بدور المربي  بل ينبغي اعتماد وسائل الترفيه الأخرى كالخروج، والنزهات، واللعب الجماعي وغيرها، فكل ذلك له أثره الفعال على عدم المتابعة، وعدم الالتصاق بهذه الوسائل التواصلية، وتقليل حجم التأثر السلبي بها،  وأن ينتبه الجميع إلى خطورة تأثير وسائل التواصل الذكية على الأطفال إذا لم توجه بشكل صحيح وتحت مراقبة وتوجيه من الوسائط الاجتماعية والتربوية، كي تكون وسائل بناء وتربية، وليست وسائل هدم وفقدان هوية للأطفال.

فدوى مقوّص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار