دعوة للقراءة: قصص للأطفال للكاتب عبد الله عبد جذب الطفل القارئ بأحداث مليئة بالمضامين التربوية والتعليمية والترفيهية

الوحدة 26-8-2020

ما بين العصافير المسافرة والحيوانات المتنوعة ينتقي القاص والأديب الراحل عبد الله عبد شخصيات قصصه الموجهة للأطفال ويحملها أحاسيس وعواطف مفعمة بالعمق الإنساني انطلاقاً من المضمون الواقعي مع قالب لغوي جميل وشكل فني متميز.. وعبد الله عبد هو قاص سوري، عاش في الساحل السوري، وثقّف نفسه بنفسه، وتابع تعليمه باجتهاد شخصي، وصوّر في أدبه وإبداعاته الكثير من معاناة الإنسان، وأخلص لأدب الطفل وللكتابة فيه من خلال الدوريات المختصة بالأطفال وعلى رأسها مجلة (أسامة) ودعوة القراءة لهذا العدد من (جريدة الوحدة) والموجهة لأعزائنا أصدقاء واحة الطفولة هي دعوة للتجول مع أبطال هذه القصص من الشخصيات المتنوعة وأغلبها من الحيوانات والطيور، وما تصادفها من أحداث ومواقف مليئة بالمعاني والمضامين التربوية والتعليمية والترفيهية.

وهذا ما أكده الكاتب حسن م. يوسف في توصيفه لموضوع القصة عند الأديب عبد الله عبد، مشيراً إلى أنه: (حينما يتوجه في قصصه إلى الأطفال فإنه يحترم قراءه الصغار بقدر احترامه لقرائه الكبار، وربما أكثر، فهو يخاطب الطفل كصديق له، كما يحترم ذكاءه ولا يستخف بقدراته، وهو أيضاً عبر قصصه تلك يعمل على تقريب المفاهيم المجردة بما يتناسب ومستوى الإدراك لدى الطفل، ويسعى إلى تحريره من محدودية واقعه كي ينطلق بخياله إلى عوالم أخرى، يسنده في ذلك سلاسة الأسلوب الذي اتسمت به قصصه مما ساهم في نجاحها بسهولة في جذب الطفل القارئ ليشارك أبطال القصة في مشاكلهم ومواقفهم وأوضاعهم).

أما عن القالب اللغوي والشكلي عند الأديب عبد الله عبد فقد وصفه د. إسماعيل مروة بالقول: (ينتمي عبد الله عبد لمجتمع بسيط، لذلك كان في قصصه ملتزماً باللغة العربية الفصيحة حيث لجأ إلى كلمات بسيطة وسهلة وقريبة من الواقع، وكان مميزاً في ميدان القصة الموجهة للأطفال حيث يبدو تأثره واضحاً وخاصة في العناوين التي لها علاقة بحكايات الجدة والتي يعود بعضها إلى كليلة ودمنة، وخاصة في اعتماده على قصص الحيوانات، إضافة إلى بعض الأفكار التي أخذها وصاغها من الموروث لصنع قصة تناسب الزمن والأطفال).

بقي للقول: كتب الأديب عبد الله عبد  (38) قصة قصيرة  للكبار جمعت في ثلاث مجموعات، كما كتب (48) قصة للأطفال جمعت ضمن مجموعتين قصصيتين هما (العصفور المسافر) و(الطيران الأول)، وجميعها نشرتها وزارة الثقافة السورية، وقد أعادت الوزارة طباعة أعماله الكاملة في مجلد واحد ضم جميع أعماله القصصية. وتتصف روايات عبد الله عبد بسلاسة الأسلوب، كما تتسم بالتشويق لذلك تنجح بسهولة في جذب الطفل القارئ إلى عالمه القصصي، خاصة وأن الكاتب ينوّع كثيراً في موضوعات قصصه وأشكالها بعيداً عن التكرار، وقد كان عميق الإنسانية جداً في حياته وفي قصصه.. وهذا ما أكده أحد النقاد عنه بالقول: (من يقرأ روايات الكاتب عبدالله عبد  يدرك أنه قد عاش حياته القصيرة كلها وهو يراقبها بعيني طفل كما لو أنه لم يغادر الطفولة أبداً).

ومن إحدى المجموعات القصصية له والموجهة للأطفال اخترنا لكم أعزائي أصدقاء واحة الطفولة قصة بعنوان (الذين يصعدون سريعاً) لتكون نموذجاً جميلاً عن نتاجه الأدبي المتميز:

في أحدِ الأيامِ ظهرتْ نبتةُ لبلابٍ في جوارِ شجرةِ نخيلٍ، وحالَما صارتِ النبتةُ فوقَ الأرضِ خلعت عنها قشرةَ البذرةِ التي خرجت منها، ثم نفضتِ الترابَ عن نفسِها وتطلَّعتْ إلى الأعلى، رأتْ شجرةَ النخيلِ – وهي شجرةٌ ممشوقةٌ- فأعجبَها شكلُها وودَّت لو تصيرُ مثلَها، لكنَّ النبتةَ كانت ضعيفةً جداً فقالت لشجرةِ النخيلِ: ما اسمُك أيّتُها الشجرةُ؟ قالتِ الشجرةُ: أنا شجرةُ نخيلٍ، قالت نبتةُ اللبلابِ: أنتِ شجرةٌ ممشوقةٌ وعاليةٌ جداً، كم سنة مضت عليك حتّى صرتَ على مثلِ هذا الارتفاعِ؟ ابتسمت شجرةُ النخيل ابتسامةً هادئة وقالت: عشرون سنةً، وربما ثلاثون، شهقت نبتةُ اللبلابِ وقالت: هذا زمنٌ طويلٌ جداً، بودِّي أن أصيرَ مثلَك، قالت شجرةُ النخيلِ بحكمة: ابني نفسَك جيداً، وارتفعي على مهْلٍ إذا شئتِ أن تصيري مثلي، قالت نبتةُ اللبلاب: لكنني في عجَلَةٍ من أمري، ولا صبْرَ لي على الانتظار، قالت شجرةُ النخيلِ الحكيمةُ: أخشى أن تندمي يوماً إذا استعجلْتِ حيثُ لا تُجْدي العجَلَةُ.. ظنّت نبتةُ اللبلابِ أن شجرةَ النخيل تخشى أن تصيرَ اللبلابةُ عاليةً ممشوقة مثلَها، فقالت: اطمئنّي من هذه الناحية، أريدُ منك أن تُسْدي لي خدمةً صغيرةً فقط، قالت شجرة النخيل: ما هي الخدمةُ التي تطلبينها؟ قالت نبتةُ اللبلاب: إنني ضعيفةٌ كما ترين،  ولم يمضِ وقتٌ طويلٌ على ولادتي، فاسمحي لي أن أستندَ إليك حتّى يقوى عودي، قالت شجرةُ النخيل: هذا جذعي فاستندي إليه، ومدَّتْ نبتةُ اللبلاب عروقَها واستندت إلى جذعِ النخلة، جرى هذا الحديثُ بين اللبلابةِ والنخلةِ في فصلِ الربيع، ومضت بعد ذلك ثلاثةُ فصولٍ على ما دار بينهما، مضى الربيعُ وأعقبَه الصيفُ ثُمَّ الخريفُ، وكانتِ اللبلابةُ في أثناءِ ذلك لا تفتأُ تتطاولُ بجذعِها وأوراقِها ثم تتطلَّعُ إلى أعلى فترى شجرةَ النخيلِ عاليةً شامخةً مرتفعةً في السماء، فتأكلُ الغيرةُ قلبَها (لا بدَّ أن أصيرَ مثلَها)، وتواصلُ نموَّها السريعَ الطائشَ حتّى أقبل فصلُ الشتاء، وكانتِ اللبلابةُ قد صارت في مثلِ ارتفاعِ شجرةِ النخيل، فقالت اللبلابةُ: ها أنا قد صرتُ مثلَك تماماً، قالت النخلةُ ساخرةً: سنرى إذا كنتِ قد صرتِ مثلي حقاً، وذاتَ يومٍ هبَّتْ عاصفةٌ هوجاءُ، فمرت في طريقِها على النخلةِ واللبلابة التي تستندُ إليها، لم تتأثرِ النخلةُ بالعاصفةِ القويّةِ بل ظلّت صامدةً شامخةً عالية، أمّا نبتةُ اللبلابِ فقد أخذت تهتزُّ وترتعشُ تحت ضرْباتِ العاصفةِ المتلاحقةِ فخافت كثيراً وقالت لشجرةِ النخيل: ما هذا ؟ قالت النخلةُ: عاصفةٌ.. واشتدَّتِ العاصفةُ فحاولتِ اللبلابةُ جاهدةً أن تظلَّ واقفةً، صامدة، لكنَّ جذعَها كان رفيعاً قالت اللبلابة: امسكي بي، أكاد أسقط ! قالت النخلة: في العاصفة لا تُمسِكُ شجرةٌ غيرَها، كلُّ واحدةٍ تواجهُ العاصفةَ بمفردِها وأغصانَها ضعيفةٌ فلم تستطعِ الثباتَ في وجهِ العاصفة، ولم تلبثْ أن تهاوتْ على الأرض، عندما هدأتِ العاصفةُ نظرتِ اللبلابةُ من مكانها على الأرض إلى الأعلى فرأتِ النخلةَ لا تزالُ ممشوقةً عاليةً شامخةً في السماء، ابتسمتِ النخلةُ الصامدةُ ابتسامةً متواضعة وقالت: حين نصَحتُك لم تُصغي إلى النصيحة، هذا هو حالُ الذين يصعدون سريعاً فإنهم يسقطون سريعاً.

فدوى مقوّص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار