شيء جميل في كلّ يوم…

الوحدة: 16-8-2020

 

لقد اكتشف البشر منذ أول الأزمنة قدرة الجمال على شفاء الروح فرسموا على جدران الكهوف وبنوا المعابد وتزينت النساء ولبسن أثواباً بألوان الطبيعة الزاهية وتطورت الأساليب وتنوعت حتى الوصول إلى العالم الحديث بفنونه المتعددة التي لا تزال تتوالد لكن الفن والإحساس بالجمال لم يكن قط حكراً على الفنانين والمبدعين فلكل منا فنان ولكل منا مناطق إبداع بعضها نعرفه وبعضها الآخر يظل في حيّز الإمكان إلى أن ننبش داخلنا ونعثر عليه. الشيء الخطير هو أن ننسى الاهتمام بهذا الجانب وننجرف مع تيار الحياة المادية التي تستهلكنا وتجفف أرواحنا فنقع وقتها فريسة سهلة للمشاعر السلبية كالإحباط والمرارة والاكتئاب.

وصناعة الجمال ليست بالشيء الصعب أول الخطوات هي الانتباه إلى هذا الجانب من حياتنا ومنحه القليل من الوقت وإليكم بضعة أمثلة بدأت إحدى صديقاتي منذ فترة تولي مسؤولية الزهور في المكتب الذي تعمل به وتحديداً في منطقة الاستقبال, عليها أن تختار في كل أسبوع مزهرية عليها أن ننتقي الزهور وتنسقها بشكل مختلف في كل فترة أخبرتني أن هذه المسؤولية الصغيرة قد جعلتها تكتشف في نفسها عشقاً للزهور بألوانها وشخصياتها المتعددة والأجمل أنها عرفت أنها مبدعة في هذا المجال فبدأت تستكشف على شبكة الانترنت أشكالاً مختلفة لتنسيق الزهور وبدأت تجرب وتخترع تشكيلات جديدة كل اسبوع وقد دفعتها تلك الهواية إلى القراءة عن تأثير الألوان في الروح. فهناك الألوان المبهجة الحارة وقدرتها على بعث الدفء والبهجة في فصل الشتاء كما أن الألوان الناعمة تمنح تأثيراً مهدئاً لطيفاً.. تؤكد صديقتي (كم أصبحت أتطلع بلهفة إلى تلك المهمة الأسبوعية).

أما صديقي الشاب الأنيق فقد خلق على مدى سنوات كتاباً مصوراً له وحده من ورق أسود جمع فيه صوراً للطبيعة من مجلات مختلفة وتجاورت الصور مع سطور أشعار يحبها عندما أزوره أفتح الكتاب فتطالعني صور للبحر في حالاته المختلفة ما بين موج عال يصطدم بصخور شاطئ وموج منبسط في هدوء واستسلام أغلق عيني قليلاً بأشعر برائحة البحر تغمرني فتنتعش روحي كما تأخذني الأشعار كالتنويم تهدئ أعصابي وتصحبني إلى عوالم رائعة تذكرني بقدرة الخالق على إبداع هذا الجمال الأخّاذ الذي من الصعب أن تنافسه يد إنسانية يتأملني صديقي وأنا أقلّب في كتابه ويقول كم انتشلني هذا الجمال من لحظات سود كلما أحسست بأشباح مرارة  أو إحباط تقترب أسرعت إلى هذه الصور والأشعار ما إن تمر دقائق حتى أدخل تلك الحالة التي تشعرين بها الآن أعود إلى التنفس بهدوء ويرجع إلي امتناني إلى الخالق الذي جعل لنا في الجمال ملاذاً أتنفس بهدوء وأنا أتأمل وجهه الطيب الذي ينضح بالسماحة والرضا وعينيه اللتين احتفظتا ببريق طفولي وأشعر بأنني أعرف تماماً ما يتحدث عنه.

هذه ليست إلا أمثلة قليلة لقدرتنا على خلق الجمال والتعامل معه بوعي على أنه ملجأ يعيدنا إلى أرواحنا العامرة بجمال مماثل ولا شك في أن كلاً منكم لديه أمثلة أخرى في هذا المجال وربما نكتشف أننا كنا نمارس هذا الخلق من دون أن ندري لكن الدراية مسألة مهمة للغاية لأنها تضاعف من تأثير أي من الطقوس التي قررنا اللجوء إليها لتعيدنا إلى أنفسنا.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار