أصحاب الأقنعة

الوحدة 11-8-2020  

 

الحياة حمّالة وجوه، هكذا يقولون منذ عمق التاريخ وحتى الآن والحياة أيضاً مواقف عطاء وسعادة واستمتاع وحين تجتمع كل هذه المصطلحات يكون لها معنى وقيمة؟

ولأن الناس هم من يصنعون الحياة ويلونونها بسلوكياتهم التي تعكس طبائعهم وقناعاتهم نجدها مليئة بالتناقضات والمشكلات والأزمات والمسرات والأحزان… إلخ.

وبالتالي يختلف مؤشر الاستقرار والهناء باختلاف طبيعة المحيط الضيق أولاً والواسع ثانياً أي المجتمع العام.

وبما أن الأشخاص يشكلون مفردات المحيطين بالنسبة إلى كل فرد فإن البناء النفسي يعد حجر الزاوية لنمو الشخصية ،ومن هنا يلعب اللاوعي الذي ينمو مع الإنسان منذ طفولته الأولى دوراً بارزاً في تعافي كل واحد مع الآخر كأفراد ومن ثم كمجموعات وبناء عليه فقد تعاظم الأنا إلى مستوى مرضي حيث تكون التجارب التربوية بمفهومها الواسع مهزوزة وغير متوازنة ما يجعل أصحابها يتلونون دائماً، ولا يستطيعون مواجهة الواقع إلا عبر التخفي وراء أقنعة من الزيف والكذب واللف والدوران ليصلوا إلى غاياتهم الأنانية بمباركة مجتمعية بغض النظر عن الأثمان التي قد يدفعها الآخرون المخدوعون بتلك الوجوه المستعارة من الطيبة وادّعاء المحبة والوفاء.

والذين كثيراً ما تصيبهم أهوال مفاجآت الخديعة بانهيارات تفقدهم الثقة بالآخرين قد توصل بعضهم إلى حد الارتياب المرضي بكل من حولهم وغالباً ما يكون القناع وسيلة لا واعية لإرضاء المجتمع المحيط ما يعني كبت القناعات والأفكار الشخصية من أجل الظهور بمظهر القبول أمام الناس ،وعلى الرغم من العذاب الذي يعانيه ممارس هذا السلوك حين يقف بين حين وآخر أمام نفسه ويراجع تصرفاته وأفعاله أي عندما ننصرف إلى مهمة تحليل القناع ننزعه ونرفعه فنكتشف أن ما كان يبدو فردياً هو جماعي في العمق، بعبارة أخرى لم يكن القناع إلا قناع إذعان عام للسلوك؟ النفس الجماعية كما يجب أن ندرك إذا ذهبنا إلى عمق الأشياء أن القناع ليس حقيقياً إنه لا يتمتع بأية واقعية خاصة فهو مجرد تشكل اتفاقي بين الفرد والمجتمع ورد على التساؤل حول معرفة الشكل الذي يجب أن يظهر فيه الأول في قلب الثاني، إن قناع الشخص مقارنة بفرديته ليس إلا واقعاً ثانوياً أو حيلة بسيطة أو اتفاقاً غالباً ما يسهم الآخرون في تشكيله أكثر من الشخص المعني نفسه ليس القناع إلا مظهر وربما يمكننا أن نقول في فورة إنه حقيقة ذات بعدين وهذا يدفعنا إلى التوقف ملياً أمام النماذج التي  تتمسك بأقنعتها وترصد دور المجتمع المحيط في تكريس هذا السلوك اللاواعي عبر تصديق أفعالهم ومجاملتهم وعدم مصارحتهم بسوء عواقب ما يفعلون لأن هذه المواجهة حتى لو لم تؤدي إلى نتائج كاملة فإنها قد تجعل بعض أصحاب الأقنعة يحاولون التوقف للحظات مع أنفسهم ويعيدون تقييم آفات سلوكياتهم تجاه الآخر والمجتمع.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار