التكريم… ثقافة وسلوك

الوحدة 28-7-2020  

 

 التكريم شعور معنوي بالسعادة والسرور والفرح يختلج داخل الصدر لا يوازيه شعور آخر ومن الصعب وضعه وتطويقه، وكلمة مبارك عبارة تهنئة يسري وقعها كالماء البارد في جوف عطشان، وهو ثقافة إنسانية يجب تكريسها والعمل على نشرها وتعميمها في كافة المجالات الإنتاجية والإبداعية، وقيمة معنوية تثمر حباً وتصميماً في قلب صاحبها وتمنح إحساساً بالمسؤولية وشعوراً منعشاً يزيح الأعباء عن الكاهل وما علق به من قلق وتعب وإرهاق ويؤسس لحالة صحية تزيد الثقة بالنفس وتحفز الآخر (غير المكرم) على الاجتهاد والعطاء ورفع مستواه، وتعمل على إيقاظ كل ما لدى المبدع من طاقة وقوة وتحريض وتفاؤل لمواصلة العمل وأن يعطي أكثر.

 التكريم ضرورة وطنية ومجتمعية وثقافية وظاهرة حضارية وقيمة اعتبارية للمبدع ولما يقدمه لخدمة المجتمع ورسالة إنسانية وأخلاقية تكرّس مفهوم الانتماء والتجذر بالوطن، ونوع من الشكر والعرفان وواقع نتمناه ولحظة سعيدة في عمر كل إنسان وخاصة عندما يحال إلى التقاعد في نهاية الخدمة وأي نوع من التكريم سواء كان في المدرسة أو المعمل هو تقييم للأداء وتقدير وتشجيع على العمل وبذل الجهد وتحفيز على التنافس الشريف وتفعيل الغيرة الإيجابية للاستمرار بالعمل والعطاء، والتكريم نوعان: مادي ومعنوي ويختلف حسب نوع الشخص والعمل ويجب أن يكون متناسباً مع طبيعة العمل وخصوصية المهنة أو الشريحة الاجتماعية، وخاصة بالنسبة للشهداء والجرحى من خلال دعم أبنائهم وزوجاتهم وذويهم بالمساعدات العينية والمكافآت المالية، وعمال الإنتاج يهمهم التكريم المادي ومنحهم شهادات التقدير، أما أصحاب العمل الفكري والإبداعي فيغريهم التكريم المعنوي الذي يشعرهم أن ما قدموه لوطنهم لم يذهب سدىً إلى زوايا النسيان.

 المبدعون جواهر مكنونة أثرت الثقافة العربية بما قدمته من أعمال رفيعة المستوى شكلاً ومضموناً ارتقت بفكرنا ومشاعرنا ورفعت مستوى الحالة المعرفية والذوق الأدبي لدى الجمهور، والقائمة تضجّ وتطول بهم في جميع المجالات لمن تركوا بصمات مضيئة في عالم الفن والأدب والتاريخ والإبداع، كما أننا نفخر بأن لدينا القوة الهائلة التي نحسد عليها وهي قوة الإنسان، القوة البشرية التي تصنع المعجزات وتنتمي إلى أعظم الحضارات وأعرقها وهي تحتاج من يزيح العتمة ويقشر الصدأ عنها كتأليف الكتب التي تحكي سيرتهم الذاتية وإنجازاتهم في مجالات عملهم ومسيرتهم الحافلة بالعطاء والإبداع لتظهر وتبرق من جديد وتأخذ دورها الريادي في مسيرة البناء والإعمار.

 التكريم ليس طقوساً بل هو مقياس حضارة المجتمعات وذاكرتها التي تحمل في جعبتها عظماء شكّلوا قيماً مضافة لمجتمعاتهم ومنارات ننهل منها معنى الوعي البشري ومعنى التجذر في المكان، ومسؤولية وطنية وإنسانية، وعندما نكرّم الجرحى والشهداء الأبطال والمبدعين ونخلّد ذكراهم بوضع المنحوتات التي تمثل شخصياتهم في العديد من الأمكنة بالمدن وموجزاً عن أعمالهم الخالدة سيما وأن لدينا الكثير من الفنانين المبدعين القادرين على تقديم تلك الشخصيات بأبهى حلّة تليق بإنجازاتهم وإطلاق أسمائهم على الشوارع والساحات والصروح الحضارية والثقافية والعلمية هو تكريم للوطن الذي ينتمون إليه ويزدهي بهم وبمثابة رسالة إلى الأجيال القادمة المتعاقبة ليكون لهم باعهم وذراعهم في خدمة الوطن والنهوض به، فالأمة التي تحتفي وتحتفل بأبطالها ومبدعيها تسهم باستمرار بناء حضارتها.

 تكريم المبدع في الدول العربية ما زال مقصراً عن أداء الرسالة الإنسانية والإبداعية ولا يفي المبدع حقوقه وغالباً ما يكون حالة استعراضية للدعاية والإعلام فقط ، وما أن تنتهي هذه الطقوس حتى تعود للاستكانة ويعود المبدع إلى عالمه الاعتيادي وربما يطويه النسيان ولا يعود إلى الذاكرة إلا حين وفاته أو يقوم بعمل إبداعي جديد يعيده للأضواء وتسليطها عليه.

 نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار