وما أُغلق من أملٍ كان موجعاً!

الوحدة 21-7-2020  

 

كفى.. لا تفتحي (البّراد) يا صغيرتي، فما تزال (قناني لمياه) مدللة على رفوفه، لا يزاحمها أي شيء، ولو فعلتِ ذلك غداً لكانت النتيجة ذاتها..

لا تسألي عن (المشمش) فقد هرب موسمه، وتسلل خارج طاقتنا، ويمضي موسم الخوخ متثاقلاً فوق مدامع حيرتنا، حتى (العجّور والذرة..) فهناك ما هو أهمّ..

إياك أن تفكّر بـ (مسبّحة الحمّص)، فالكيلو بحدود الألفي ليرة، وأكلة (متبلة الحنطة باللبن) في هذا الصيف الساخن حدّ اللهب تعادل كلفة وليمة كبيرة قبل سنوات قليلة!

لا تفتحي (البّراد) يا صغيرتي، لأنكِ ستقرأين في خوائه عجز أسرة كاملة تنتمين إليها، وستجدين اعترافاً قاسياً بوصول الأحوال المعيشية إلى حالة اللاعودة إلى ما كانت عليه..

هكذا ببساطة، تحّولنا إلى (عجزة) نستبق أي سؤال بالحديث عن المعاناة، وعن الحصار، وعن حيتان السوق، وعن (بكرا) الذي نريده أن يكون أجمل!

كنّا حتى بعض الوقت نعلّل أنفسنا بالآتي، واليوم نعلّل أنفسنا بالعودة إلى ما كنا عليه قبل سنة.. سنتين.. ربما وجدنا الجواب على سؤال أرّق الكثيرين من قبلُ، وهو لماذا نتغنى دائماً بالماضي؟

عندما لا يعطيك اليوم أي أمر مريح، فمن الطبيعي أن تترحّم على الأمس حتى لو كان زاخراً بالمعاناة، فقط لأنه مرّ بسلام، ومازال هذا النهار في مطلعه، ولا تعرف أين سيلقي بك مع تقدّم ساعاته!

في لحظة (صفا) أيّ منا مع ذاته، يدرك أن  جانباً كبيراً من معاناته لا حلّ لها، والعاقل، في مثل هذه الحالة، ينزوي صامتاً، علّ شفقة أهل بيته عليه تبرّد جرح كبريائه، والمشكلة إذا قال له أحد أفراد أسرته! انظر فلاناً!

وصلنا إلى الجدّ عند هذا الـ (فلان) الذي يجتاح سكنتك التائهة كبستان من نار، يتمدد، ويحرق كل شيء، وكل ما تفعله يا (أبا زيد) هو أن تسير نيرانه بعكس مكان وقوفك لتحمد الله ألف مرة أنك لم تحترق بشكل مباشر!

أعود بالذاكرة إلى (التراحم) في شهر رمضان المبارك، ومع اقتراب حلول عيد الأضحى المبارك، وأسأل: هل بات التراحم موسماً رمضانياً كالمسلسلات وبرامج المسابقات؟

العيد على الأبواب، وإياكم (أيها الأثرياء مالاً فقط) أن تعتقدوا أن الكريم يرخص نفسه، ولكن للفقراء في أموالكم (حصّة شرعيّة) فهل ستؤدونها؟

هناك الكثير من العائلات (المستورة) لكن لا تريد أن تنتظر حلقات جديدة من المسلسلات (التاريخية)، فما المطلوب هو أن تكون هناك جهات لا أشخاص، ترعى هذا الدور، وتضمن إنجازه بعيداً عن المساس بكرامة أي محتاج.

العيد على الأبواب، وربما هناك (عسكري) في الرقة أو دير الزور، لن يأتي لأن كلفة الذهاب والإياب فوق قدرته وقدرة أهله..

وربما كثيرون سيدّعون أنهم لا يحبّون طقوس الفرح، ومن منّا لا يحبّها؟ لكن الحقيقة هي أن معظمنا غير قادر على أعبائها، وسنكتفي بتقبيل أيادي أهالينا وزيارة أمواتنا!

هذا هو العيد الآتي، وكل التقارير المصورة التي ستظهر (المراجيح) مزدحمة، وأسواق اللحوم والحلويات مكتظة، ستبقى مجرد تقارير لا تقدم أكثر من واحد بالمائة من الواقع..

نعم، لن نستطيع مزاحمة (الأطفال الأغنياء) على ألعاب العيد، وإن استطعنا اصطحاب أطفالنا إلى (الضيعة) فسيكون ذلك إنجازاً..

سترّق القلوب.. ولكن على الفيسبوك فقط، وستخشع هذه القلوب لمدة ربع ساعة وهي تستمع إلى خطبة العيد بل وسيعتقد البعض أن مشاركته في صلاة العيد غفرت له ما تقدّم وما تأخر من ذنب!..

قسا الزمان، وقسا أهله، وضيق ذات الحال للقسم الأكبر من الناس لا تبدده حالات فردية قد تكون إيجابية، نسأل عن وضع عام، ولا ننتظر جواباً، فمن (يتقِ الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب) وإن شاء الله إنّا من المتقّين، والكتابة بـ (الدمع) ليست من شيم الأكارم، ولكن وكما أسلفنا فقد طوّق العجز حياة معظمنا، ونحثّ الجهات العامة على التفكير بمسؤولية تجاه الناس.

غانم محمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار