الحلم… حلية لتجميل الحياة

الوحدة 7-7-2020  

 

الحلم رحلة النفس التواقة إلى الآفاق الرحبة والعيش الكريم والإحساس بنكهة الحياة، ظاهرة بشرية لتجميل الحياة لتصبح أقل ألماً مما فطرت عليه، صالحة لكل العمر لا تفر ولا تشيخ بفعل الزمن، وهل أجمل من أن نقف وجهاً لوجه أمام أحلامنا ونكون قريبون منها ونستطيع ملامستها، وكما يقول فرويد: الحلم تحقيق مقنع لرغبات مكبوتة.

الحلم يبسط حضوره في ثنايا الليل والنهار، بعض الناس تحلم وهي مستيقظة والبعض الآخر يراها في منامه عندما يأخذ في الارتياح والاستسلام للمشاعر الهادئة التي تسلمه إلى المنام وتفتح لعينيه مسرح الأحلام الجميلة، منها ما يساعد الناس وينبههم إلى المخاطر التي يمكن أن تحدث معهم أثناء اليقظة، وبعضها يكون سوداوياً كالكابوس الضاغط على الأضلاع يأتي ويصحيه على أسوأ حال.

العائق الوحيد بيننا وبين تحصيل الحياة التي نرغب بها يكمن بفقدان القدرة على الحلم التي هي الوصفة السحرية لتحسين شروط الحياة، فعندما نمتلك الأحلام التي تداهم كالشرارة التي تلهب العقل وتلمع كالنيزك فهذا يعني أننا قادرون على تحقيق جزء منها وقادرون على تقشير طبقات خارجية مزمنة دهمتنا بفعل المحيط الجمعي وتزيد قدرتنا على تحويل الشيء التقليدي العادي إلى شيء ملون بهي ومحبب، وتضيق مساحة الحلم أحياناً بين حسرة الآخ والآه المتسللة خلسة من نوافذ الروح إلى متاهات الحياة عندما لا يتبقى شيء يغري بتحقيقه من قائمة الأهداف والطموحات التي نحلم بها، وكل كنوز العيش والحياة تتجمع على بعد مسافة من حلم طالما وأنّ سر الحياة على رأي الفيلسوف باولوكويهلو: “أن تسقط سبع مرات وتنهض ثمانية”.

الحلم ضرورة للإنسان لا عبئاً عليه فهو يعيش حياته بين مساحات ظلام كثيرة يحاول العبور منها إلى النور، والجميل في الأحلام أنها تحلق بالإنسان إلى عرش النجوم ومداراتها القصية وتجعله يرجح كفة المستقبل على الماضي وحتى لو كانت خيالات مخبولة أو أضغاث أحلام، وتساعد في تنبيه الناس من المخاطر التي يمكن أن تحدث معهم أثناء اليقظة، وحتى الأحلام التي لا تتحقق وسائر الهواجس تصبح بوابة للخيال والتفكير.

كثيراً ما تشطح بنا الأحلام إلى الأماني الِعذاب، إلى فضاءات بعيدة عسيرة المنال وتتسرب إلينا الأنانية حين نطارد شغفنا ونصبح غير قادرين على ضبط انفعالاتنا ورؤية أي شيء سوى أحلامنا واللهاث للقبض عليها، تهويمات حلمية تتفشى في مسامات الروح مثل الخواطر التي تمرق في البال تصفر عاوية في الأذنين.

في سفر الحياة تمكث الكثير من الأحلام في دهاليز معتمة، تدور رغماً عنا من عام إلى عام لتسكن قائمة الانتظار إلى حين ولادة جديدة، وتراوح في المكان طويلاً وقد تتهشم وتتآكل، وبفعل الزمن تتخمر الأحلام وقد تتبخر وتتلاشى وتنطمر في دهاليز النسيان ولا تترك أثراً يمكن من اقتفاؤها، لذلك نحتاج دائماً إلى تأهيل الكثير من الأحلام ومخططات العمر كي نستعيدها سليمة غير مهترئة وأن نحافظ على تماسكنا الداخلي، فالحياة معمعة لابد منها مفتوحة على جميع الاحتمالات.

تمضي حياتنا ونحن نحاول مناطحة أحلامنا التي تنزلق إلى وديان لا نهائية القرار، وأجمل الأحلام تلك التي تجعلنا ندرك ذواتنا ونعرفها أكثر مهما بدت صغيرة وسهلة وبسيطة.. علينا أن نحافظ على اتزان خيالنا وأحلامنا وتثبيتها بحبال متينة وجعلها بذرة فرح للحياة في متناول اليد، وتدريب أنفسنا على مطاردة الأحلام حتى ولو خسرنا الكثير منها فإننا سنربح الراحة والاستقرار علّها تنشلنا من بؤر الواقع الصعب المضني.

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار