بحجة حمايته من المخاطر النفسية والبدنية… الحرص الزائد يدّمر شخصية الطفل ويعيق نموه الطبيعي

الوحدة -29-6-2020

 

 ربما تكون أجمل فرحة في حياة الأم عندما تقع عيناها على وليدها لأول مرة وكذلك الحال بالنسبة إلى الأب عندما يتم تقديم طفله إليه بعد ولادته مباشرة, وتبقى هذه الفرحة مخيمة على أجواء المنزل إلى أن تبدأ الحركة تدب في أرجائه.

 أي عندما يكتشف الوالدان أن أمامهما مسؤولية كبيرة لمتابعة كل حركة من جانب الطفل لاستكشاف كل شاردة وواردة في محيطه.

 وتستلزم السنوات الأولى من الأهل الحرص الشديد داخل المنزل مثل الاحتفاظ بالمواد الكيماوية الخطرة والأدوية في أماكن بعيدة عن متناول يدي الطفل.

 إضافة إلى إغلاق أبواب المطبخ والحمامات بإحكام حتى لا يتسلل إليها الطفل في غفلة من الوالدين في أي وقت من النهار, أو الليل.

 وإذا كان من الممكن للوالدين أن يوفرا الحماية البدنية للطفل إلا أن الأهل يقفون عاجزين تماماً أمام عدد لا يحصى من التحديات في الخارج ومنها على سبيل المثال لا الحصر التلوث البيئي والأغذية سيئة الجودة التي تخالطها المبيدات الحشرية أو التي تم تطويرها بالاعتماد على تقنيات الهندسة الوراثية والطرق الخطيرة والملاعب المدرسية  التي تفتقر لمعايير السلامة الأولية وحتى قضاء فترات طويلة  تحت أشعة الشمس في الملاعب والشواطئ.

ليس من المستغرب إذاً أن تجد زيادة مستويات الحرص من جانب الأهل لحماية فلذات أكبادهم وضمان أفضل مستويات الصحة البدنية والنفسية خلال المراحل الأولى من أعمارهم بيد أن هذا النمط من التربية سيؤدي حتماً إلى الحد من حرية واستقلالية الطفل على نحو لم يسبق له مثيل في أي فترة من التاريخ.

 ويطرح علماء النفس التربوي عدداً من التساؤلات التي يجب أخذها بالحسبان من قبل الوالدين فهل تؤدي هذه الخطوط الحمر إلى تدمير التطور الصحي والعاطفي السليم؟

 وهل تقود طريقة إدراكنا للمخاطر إلى المبالغة في وضع المحاذير التي بخبر أطفالنا على التزامها؟

وعند تمحيص هذه الأسئلة من قبل الخبراء يتبين أن الحالة التي تسود في غالبية المنازل فنتيجة مبالغتنا في فرض معايير التربية الصارمة نخلق أنواعاً جديدة من المخاطر ونضع أمامهم المزيد من العراقيل ويؤكد التربويون أن الأطفال في الوقت الراهن يقضون فترات أقل خارج المنزل وإذا سمحت لهم الظروف بممارسة ألعابهم المفضلة في الحدائق أو النوادي فإن الرقابة الشديدة تحول دون استمتاعهم بأوقاتهم بطريقة سليمة وهكذا تكون أضرار هذا النمط التربوي جلية للعيان وذلك من خلال قضاء الأطفال فترات أطول داخل المنزل وهم يمارسون ألعاباً لا تحتاج إلى أي نشاط بدني مثل متابعة البرامج أو الجلوس لفترات أمام شاشات الكومبيوتر ما يؤدي إلى أثر سلبي بالغ في صحتهم النفسية ونتيجة لهذه الممارسات الخاطئة تفشت مشكلات السمنة وزيادة الوزن بين الأطفال حتى في السنوات المبكرة من أعمارهم.

 وعلاوة على ذلك تترك المراقبة الشديدة على الطفل آثاراً لا تحمد عقباها في نمو الطفل فالطفل الذي عاش في هذه البيئة  تتدهور قدراته في المستقبل على اتخاذ القرارات والاعتماد على النفس وقد يشب متكلاً على غيره ويجد صعوبة بالغة في  مواجهة المشكلات التي تعترض سبيله لتحقيق الأهداف التي ينشدها.

 ويحذر الخبراء أيضاً من زرع الخوف في نفس الأطفال نحو الغرباء لأن ذلك يجبرهم على النظر للمحيطين بهم من خلف نظارة معتمة فتسود علاقة محكومة بالشك والريبة مع الآخر ويعرّض تجاربهم الحياتية إلى خطر حقيقي ولا تتيح لهم فرصة الاعتماد عليها للحكم على الآخرين ويحد ذلك من ثقتهم بأنفسهم أو بالقرارات التي  يتوصلون إليها بسبب مشاعر الخوف التي  تسيطر عليهم عندما تفرض عليهم الظروف التعامل مع أي شخص لأول مرة ومن الغرابة بمكان أن يؤدي حرصنا على سلامة أولادنا إلى تعريفهم للمخاطر وعلى ضوء انتشار أجهزة الهواتف المحمولة يمكن للأهل  الشعور بشيء من الطمأنينة إذا سمحوا لأبنائهم في سنوات المراهقة الابتعاد عنهم قليلاً والبقاء على اتصال دائم معهم بيد أن هذه الأجهزة يمكن أن تشكل بدورها خطراً على صحة الأطفال بعد أن ثبت من الناحية الطبية خطر أشعة المايكرويف على الدماغ  وينصح بضرورة منع الأطفال من استخدام أجهزة  الهواتف المحمولة إلى حين بلوغهم سن / 16/ عاماً.

 أما عن الحلول المناسبة، يجب إعطاء الأطفال قدراً من الحرية في جميع الأعمال التي يمارسونها بدءاً من الألعاب اليومية وحتى الواجبات المدرسية وفي جميع الظروف يمكن أن تكون الرقابة عن بعد من دون إشعار الطفل بذلك أو بألا يؤدي تدخل الوالدين وقلقهم إلى قتل استمتاع الطفل بوقته، وتقديم النصائح للطفل حول الطرق المثلى للتعامل مع الآخرين من واقع مبادئ التربية  الصحيحة والأخلاق والنظم الاجتماعية وعدم إصدار الأحكام المسبقة على الآخرين، وإذا كانت الفرصة متاحة للطفل للخروج من المنزل فيجب تزويده بجميع أرقام الهواتف الضرورية لمواجهة أي مشكلة غير متوقعة، والحذر من الأنترنت والدخول إلى مواقع الدردشة الالكترونية وغيرها من المواقع المحظورة التي يمكن أن تقود الأطفال إلى علاقات مشبوهة وخلال فترة من مراقبة عادات التصفح عند الأطفال يجب تقديم الإرشادات المناسبة التي تحول دون وقوعه في تلك المشكلات، ويجب تعليم الطفل العادات الصحيحة لعبور الشارع مع ضرورة جلوس الطفل في المقاعد  الخلفية داخل السيارة مع وضع أحزمة الأمان، وينبغي تزويد المنزل بأجهزة الكشف عن الدخان ومعدات السلامة المنزلية مثل اسطوانات إطفاء الحريق والاعتماد على المواد غير القابلة للاشتعال..

تصفح المزيد..
آخر الأخبار