سوزوكي .. محمّلة بأرزاق ناس عند أهلها

الوحدة 22- 6 -2020

 

في يوم الجمعة وغيره عطلة للنزهات، وفي باقي أيام الأسبوع هي للكسب ورزق الأولاد عند العائلات المستورة والفقيرة وهي عند غيرهم (ما بتعبي العين) لكنها اليوم قد فتحت مسالك الحياة وطرقاتها لشباب ليس لهم وظيفة حكومية ولو ملكوا الشهادات العلمية وأتقنوا اللغات، فالأيام تنفلت من بين أصابعهم كشربة ماء ولا يستطيعون عليها الإحكام، بغير عمل ولو خطر اليوم في البال أن يشتروا أو يستأجروا سيارة نقل صغيرة وليس عربة لجر الخضار والفاكهة الموسمية إلى أحياء المدينة وأطرافها وقراها الصغيرة باستحياء وبيعها كما لو كانت في سوبر ماركت أو أي دكان، كما أحمد وغيره من الشباب..

أحمد تخرج من الجامعة، كلية العلوم منذ بضع سنوات، وتسرّح من الخدمة الإلزامية في الجيش، ولم يجد نصب عينيه على المدى القريب أو البعيد فرصة عمل حكومية ولن ينتظرها، ويكفيه ما جلسه في البيت من سنوات ضياع ولن يتكل على أبويه المتعبين أو يتواكل في البحث رغم كثرة المداخل والانعطافات في طريقه المعبدة بالأحلام والفتاة التي لطالما انتظرته وراء باب الأفراح، ليتعثر بابن عمه في طريقه إليه وسيارته تسند جدار البيت بعد حادث أودى بابنه الصغير، (الرزق وجوه) وقد تبين وجه رزقه ووجهته اليوم، وله أن يبيع الخضار في أحياء المدينة ويتنقل بينها رغم وجود الأسواق والسوبر ماركات، فقد حسبها جيداً بعد أن لاحت الفكرة في آفاق عقله ووزنها مع ابن عمه الذي بادر لمساعدته ومساعدة نفسه فهو مزارع ولديه مساحة واسعة من الأرض المزروعة بالأشجار المثمرة والخضار وقد فاضت عن حاجة بيته وما يهبه للأقارب والجيران كما هو معروف عند أهالي القرى، وما يبعثه للسوق لا يأتي بأقل أتعابه وما يزهقه لأجل أن تنمو وتثمر، وحان الوقت اليوم لكسب بعض الرزق وجلب بعض المشتريات والحاجات الضرورية بعد غلاء استفشر بالحال التي كانت مستورة وكشف ضعفها وعورات هذا الزمان، فكان أن استأجر السيارة وأدار محركها الذي صمت لسنوات، وها قد صرخ وزعق (الزمور)  معلناً بدء العمل فله أن يحمل السيارة كل صباح بالخضار والفاكهة الموجودة في أرض ابن عمه ،وتكون الأرباح منقسمة بينهما لكن أجار السيارة لوحده واليوم فيها بألفين والحساب جارٍ على البنزين وهو غير مغلوب، ومن اليوم الأول في عمله وجد ما يهزم الفقر ويقهر الجوع والضياع الذي لازمه بعد التخرج وسكب عليه الأوجاع،  وقد رمم نفسه وأعاد فيها البناء فله نصيب أن يجهز لعروسه بيتاً قد سجل عليه في جمعية سكن على أطراف المدينة وهو ما يتطلب منه السعي الجاد والدؤوب وليل نهار لكسب المزيد ولو على حساب راحته ونومه قليل، فالحلم بدأ يلوح ويتبينه جلياً أمام عينيه .

أبو سامر_ لديه ولدان وسيارة صغيرة (سوزوكي) قد اشتراها منذ زمن ولى على مئة ألف وربع فقط وكان (يا مين يشيل)، واليوم أصبحت فوق الثلاثة ملايين، وشغله (شغلة ملا شغلة عد فلوس وآلاف) والحمد لله وهو  يتجول في عدة قرى ويشق طريقه على الجهة الشمالية من المدينة منذ خمس سنوات ويأتي بالخضار من السوق كل مساء، حيث يطرق أبواب (حرفوش_ القلوف) وما بينهما على الطريق العام منذ الصباح وقد يصل مشارف عين البيضا لتنكب عليه النسوة فلا يوجد مزارعون فيها ، وكثير منهم لديه الأرض لكنه يفضل الوظيفة الحكومية ويسعى إليها في المدينة فلا يكون لديه الوقت للزرع والقلع، وكما يقول : يكون لي عندهم  العمل والرزق، وأجني بعض المال ليكون راتبي كأي موظف .

السيدة وفاء أشارت أنها تشتري منه ما يكفيها ليومين وثلاثة من الخضار وبعض الفاكهة حسب ما يحضر في (عربته) فذلك أهون عليها من قصد سوق المدينة بعد انتهاء دوام الوظيفة والصحة ضعيفة، وحتى أنه يريحها من البحث في المتاجر والبقاليات البعيدة عن دارها وتوفر وقتها للبيت ونيل قسط من الراحة، والفروق في الأسعار بينه وبين الدكاكين تلك مقبولة .

السيد أسد لديه عائلتان ليصرف عليهما، وليس لديه عمل غير في سيارة (سوزوكي ) اشتراها منذ عشرات السنوات لينقل  بضاعته من أواني المطبخ وغيره من النايلون وبعض الحاجيات التي تستعصي على أهالي القرى الصغيرة والبعيدة عنها المواصلات أن تحضرها فيأتيها بها كل حين ويتجول بين بيوتها وطرقها الوعرة والترابية أحياناً لتلاقيها بعض العجائز وكبار السن وتشتري لوازمها من (الإبرة وحتى الأطباق والطناجر والقماش ويقول (عايشين والحمد لله ) لكن بضاعته خفت اليوم. فالأسعار نار وغيره أن هذه القرى حلت عليها بعض الخدمات وبعض أهلها من الشباب أصبحوا موظفين بعد أن تركوا الأرض ولم تعد ترضيهم مكاسبها  وتهجّروا بسبب الحرب .

 

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار