الوحدة : 3-5-2020
أهم عامل مرّ عيده بصمت, وألم.. طفل القمامة، العامل بجد، صاحب الجسد النحيل, يمشي ببطء، بأقدام شبه حافية, وجسد شبه عار.. ينبش أكياس القمامة المبعثرة في كل مكان, يخرج منها زجاجة فارغة, أو عبوة بلاستيكية.. يجمع ثروته في كيس يجره خلفه حين يعجز عن حمله، ويمضي.. يرميه في حضن والده, أو عند قدميه..
يبيع الأب الحنون ما جمعه ولده بليرات قد تكفيهم ثمن خبز, أو طعام.. وهو يشعر بالفخر في إعادة تدوير الأشياء خدمة للمجتمع أيضاً.
في طرطوس.. انتشرت مجموعة من الأطفال يوم عيد العمال وسط المدينة، بنات وصبياناً.. وكأنهم يخرجون من حاوية، يطلبون من مال الله، تديرهم أمهات في عز الشباب، تعملن عمل الأولاد أيضاً, وفي حضن كل منهن طفل رضيع! تتخذن من الرصيف مقعداً، وتمضين ساعات النهار، تتعلقن بكل عابر سبيل، وقد تنجحن, أو تفشلن، المهم في المحاولة, والإلحاح في الطلب.
صور، قد يظن القارئ أنها من نسج خيال لمخرج جريء, في فيلم غير منطقي..
العامل الثاني الذي يستحق التكريم والمعايدة، عامل نظافة يجر قدميه, كما يجر مكنسته التالفة بجهد، وهو يجمع ما رماه المارة في الشوارع, والحدائق ومن أمام البيوت, وعلى الأرصفة.. عامل يجتهد في لمَ المبعَثر من قمامة, يدسَها في أكياس, يربطها على خصره, وحين تمتلئ يتركها لسيارة البلدية التي تمر مسرعة تملأ المكان برائحة قاتلة لا ترحل، إلا بصعوبة، لا وقت لديهم عمال السيارة الضخمة هكذا يشعر المشاهد.. إذ يحملون ما هو جاهز للحمل, ويتركون الكثير للريح.. تتحلل, أو تتحول أو تلبس قبعة الإخفاء حيث تترك, وكأنها غير موجودة.. وتعبث بها جرذان تلبث أيضاً قبعة الإخفاء، فهي تمشي بين الأوساخ بثقة, وهدوء، دون خوف, أو وجل..
في عيد العمال.. للعمال الملتزمين في بيوتهم تطبيقاً لـ (خليك بالبيت) الذين يشربون المتة التي قيل أنها مفيدة في زمن الكورونا، نشد على أياديهم، نتضامن معهم، خاصة أن الاحتفالات الرسمية بالعيد ملغية، وإجراءات الوقاية مفعَلة، والخوف من خطر محدق يتربص بالإنسان الذي لم تعجزه الحرب, ولا المتفجرات, ولا المؤامرات الدولية الواضحة وضوح الشمس المشرقة بدأ يتلاشى رويداً رويداً.
سعاد سليمان