كورونا وذكريات….

الوحدة 24-4-2020

أرخى السيد كورونا بظلاله ثقيلة علينا، فتساوى عندنا النهار مع الليل، سجن شبه طوعي ساور سكان هذا الكوكب وكأنه مارد جاء من جوف الحكايا الأسطورية التي قصتها علينا العجائز في طفولتنا البعيدة.

لزم كلّ منا بيته بكل رضا خوفاً من هذا المرض اللعين المستجد، فبتنا نعيش نصف حرية ونصف سجن، وتغيرت معه عاداتنا داخل البيت وخارجه.

فراغ مقيت يلف أيامنا، نحاول جاهدين أن نخفف منه باختراع مشاريع مسلية أو بإعادة إنجاز أعمال منزلية مرة تلو الأخرى بلا طائل غالباً.

جلستُ إلى ذكريات الماضي من دفاتر وكتب، وعدتُ لأقلّب صفحات الذكريات من صور أعادت لروحي بعض الدفء بماضٍ حمل ما حمله من صفات إنسانية تعبق من ذلك الزمن الجميل بأهله وطيبه وخيره الوافر.

لم أتيقّن يوماً أن الزمن الحاضر قد سلبنا أجمل ما نملك، أشخاص عزيزون إلى القلب، ونقاء روح ربما فقدنا كثيراً منها في زحمة الحاضر القاسي بكل تفاصيله، ولحظات جمعتنا مع أهل وأصدقاء ورفاق الشباب الأول والمراهقة، يضيق الصدر وجعاً مع تلك الذكريات الجميلة، التي لا تخلو من غصة قلب هنا أو هناك.

تتهافت مشاعر متناقضة في النفس مع تتالي تلك الصور القديمة، تمر في شريط الذكريات صور لأصدقاء كان لهم ما كان من مكانة عالية بين ثنايا الروح ذات ماض بعيد، لكنهم غادروا عوالمنا الدافئة، غيّرتهم الأيام لسبب أو لآخر واختاروا الضفة الأخرى، لتحضر صورهم وتنكأ جرحاً لم ولن يندمل، عميقاً في القلب، فللصديق مكان محفور في القلب لا يشغله شخص آخر، ومهما مرّ الزمن لا يمكن أن يمتلئ ذلك المكان أو يختفي.

ربما كانت أيام الكورونا هذه فرصة ثمينة للتفكير في حياتنا واستدراك ما نسيناه أو تناسيناه من عادات جميلة، هي فرصة للقاء أشخاص أبعدتنا عنهم أوجاع الحرب وزحمة الآلام.

نحن بحاجة ملحة للعودة إلى أرواحنا الحالمة، إلى دواخلنا النقية، الوادعة، نعيد ترتيب الأشخاص والأوليات، لنعيد إلى هذا الزمن بعض من ألوان الماضي المشرقة.

يبدو أن السيد كورونا منحنا من دون قصد استراحة محارب لأرواحنا المتعبة التواقة إلى الأمان بعد غربة طويلة في عالم عار من صباحات الفرح وليالي الحلم وسكون الأرواح.. لكم جميعاً كل الخير ووافر الصحة.

رنا رئيف عمران

تصفح المزيد..
آخر الأخبار