العدد: 9500
الأحــــــد 5 كانون الثاني 2020
أمريكا الشيطان… وسفلة كثر يدورون في فلكها، ينفذون ما تأمرهم به ولو كان إذلالاً لهم، يعتقدون أنّهم بذلك يتقّون شرّها، وينسون أنهم مجرد ورقة عندما يتسنى لها الحديث مع الكبار، هم أشبه بورق محارم التواليت خاصةً عندما يكون في سدّة البيت الأبيض معتوه مثل دونالد ترامب!
بكلّ صفاقة، تقول أمريكا أنّها لا تسعى إلى حرب مع إيران وتغتال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وتعقّب أنها لا تستطيع أن ترى أمريكيين في خطر وتقف مكتوفة الأيدي، إذاً أيها الشيطان الأكبر ماذا عمن يتعرّض للخطر بسبب وجود القوات الأمريكية في أراضٍ غير أراضيها وبصفة غير شرعية، وماذا عن آلاف الأبرياء الذين قضوا بسبب القصف الأمريكي في سورية والعراق، هل كان على السوريين والعراقيين أن يوجهوا الشكر للأمريكيين؟
أمريكا أفقدت السياسة الدولية أي قيمة أو مضمون أخلاقي، وبات الكذب والنفاق هو العنوان الوحيد في السياسة الغربية ومن يدور في فلكها من أعراب مارقين على التاريخ وشعوبهم، والنتيجة أن ينتقل هؤلاء (العربان) من مرحلة الدفع لأمريكا من تحت الطاولة إلى مرحلة الدفع مقابل حماية عروشهم كخطوة أولى، ومن ثمّ الدفع للعدو المباشر (إسرائيل) من خلال شراء الغاز في الأردن ولاحقاً مصر لتزيد الدولة العبرية من ترسانة قتلها ضدّ الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، ولن يسلم الأردنيون من آلة القتل الإسرائيلية في وقت لاحق، وقد نجحت إسرائيل ومن خلفها أمريكا بتحييد نصف الشرق العربي ونصف غربه كخطوة أولى منذ عقدين من الزمن تقريباً، لتضيف إلى (إنجازاتها) انتقال هؤلاء (المستعربين) بشكل علني إلى (الجبهة الإسرائيلية) بكل ما لديهم من إمكانيات مادية، وعُرضت أراضيهم ومنشآتهم بسوق الحرام الخليجي والشرق أوسطي، والمهم (رضا) الشيطان، وكبح أي نفس لشعوبهم، ولو لم يبقَ لهم من سلطتهم وعنجيتهم سوف السيف الذي يُقطع به رأس كلّ من يدافع عن إنسانيته أو أي حقّ آخر من حقوقه في دول النفط والتبعية المطلقة للأعداء، والأكثر قسوة وإذلالاً لهذه الأنظمة أن (ترامب) لا يقيم لها وزناً، ولا يبدي لها أدنى حدّ من الاحترام أو الدبلوماسية!
ستدفع بالـ (الصرماية)، هو سقف الاحترام الذي أبداه (ترامب) لكلّ ملوك وأمراء النفط، ليخرجوا على شعوبهم فرحين بموقف (الصديق ترامب)، فقط مارسوا سلطتكم على نسائكم وعلى المقهورين من شعبكم ولا علاقة لكم لا بفلسطين ولا سورية ولا العراق ولا ليبيا نحن ندير اللعبة، وإن أعجبتكم تفرّجوا عليها أو (انضبوا) في مخادعكم، تكاثروا كالأرانب، فالقضايا التي (شغلتكم) ظاهراً كلّ تلك العقود آنَ أن تتضح، وآنَ أن تعودوا إلى حجومكم الطبيعية، دوركم انتهى وقد أجدتم أداءه، ولكن لا مكان لكم في حساباتنا القادمة!
ذات يوم من عام 2000 على ما أعتقد، أخذت (تاكسي) من أمام مبنى جريدة الثورة باتجاه المزّة، وكانت وقت نشرة أخبار الثانية والربع في إذاعة دمشق، وكان ملخص الخبر استعراض أسماء الدول التي تدين الحرب الإسرائيلية العدوانية على لبنان، فالتفتَ صاحب (التكسي) نحوي وقال: الحمد لله ما زال مسموحاً لهذه الدول أن تدين وتشجب، ولم أعرْ كلامه الكثير من الأهمية، لكن من يراجع مواقف (عربان النفط والنار) يدرك أن موقف سائق (التاكسي) كان سابقاً لعصره، لم يعد مسموحاً لهم حتى إبداء التعاطف مع (الضحية) ولا حتى إذاعة خبر عن فلسطين، هذا الخبر الذي بقي الخبر الأول لدى الناطقين بالضاد عقوداً طويلة!
الحرب السورية كانت كفيلة بـ (تعرية) حتى من تجلبب بـ (التقى)، وعادت الجرذان إلى أوكارها راضية بما يُلقى إليها من فتات..
الحرب السورية على الإرهاب، والنتائج الباهرة التي أفرزتها في مواجهة أعتى الطغاة والمجرمين حول العالم مدفوعين بأموال وأسلحة عربية وأمريكية وغربية وإسرائيلية وعثمانية، ومدججين بعقيدة وهابية إجرامية عنوانها إلغاء الآخر، وامتشاق (سيف الربّ) مدافعين (عن شريعته كما يدّعون)، وتجهيز آلة إعلامية غير مسبوقة الحضور، كلّ ذلك دفع (الأمريكي) للجنون، ودفعه لـ (الهروب) من سورية عندما اقترب الجيش العربي السوري منه، لكن أمريكا لا تعترف بالهزيمة، وتجد دائماً ما تنافق به على العالم، فتركت آثار إجرامها على وجوه أطفال أبرياء يسألون في عليائهم (بأي ذنب قتلنا)، وراحت من جديد تنتهك السيادة العراقية، وتستفزّ أشقاءنا العراقيين، إلى أن وصلت إلى اغتيال (قاسمي) على الأراضي العراقية!
هذا المشهد لا يكتمل لو لم تكن أمريكا طرفاً فيه، وتعتقد أنّه سيكون مخرجاً لها من ورطتها، أو الحبل الذي يساعدها على النزول من أعلى الشجرة، لكن السؤال الأهمّ: ماذا سيترتّب على كلّ ما سبق؟
الإرهاب المسافر
لم يعد خافياً على أحد أنه ومنذ 2011، كان الهدف الرئيس لـ (الربيع العربي المزعوم) ضرب القدرات المناوئة لإسرائيل، وبالدرجة الأولى (سورية والعراق وإيران والمقاومة الوطنية اللبنانية)، والحروب التي يكون وقودها (الشعب) هي أخطر أنواع الحروب، وقد حاول قادة الإرهاب في العالم الدخول من هذه البوابة، وإلى كلّ مجتمع بما يتميّز به هذا المجتمع من خصائص، فجاءت بقنابلها (الطائفية والإقليمية والعشائرية)، وكادت أن تنفذ لولا وعي هذه الشعوب وخاصة الشعب العربي السوري الذي وقف بوجه الإرهاب الطائفي والعرقي، وأكد أنّه شعب عصيّ على الأخذ، وأنّه يؤمن بـ (سوريته، علماً وجيشاً وقيادة وأرضاً) حتى من غُرر بهم في بداية المشوار اكتشف معظمهم حجم التضليل الذي تعرّضوا له وعادوا إلى حضن الوطن، وحملوا السلاح بوجه الإرهاب..
بعد كثير من (الدم السوري)، وبعد بطولات استثنائية سطّرها أبطال جيشنا العقائدي، وبعد صمود أسطوري للشعب العربي السوري، وبعد قراءة واقعية ونظرة ثاقبة للقيادة السورية، وبدعم كبير من الأصدقاء والحلفاء، استطاعت سورية أن تغيّر مجرى الأحداث على الأرض، وأن تقلب المعادلات، وتحيّد كثيراً من المخططات الاستعمارية، وعدداً كبيراً من الدول الداعمة للحرب على سورية، وبقيت الإرادة السورية صلبة لا تلين، واستعادت الدولة السورية سيطرتها على معظم جغرافيتها، ولم تستسلم لحجم الدمار الذي أصاب البنى التحتية، بل سارعت إلى إعادة إعمار ما دمرّه الإرهاب، وإطلاق المزيد من المشاريع التنموية، وعملت بكلّ حنكة في موضوع إدارة علاقاتها الدولية، ومن هنا راحت تتضح أكثر معالم النصر السوري الكبير الذي ما أنكره إلا مهزوم!
قد لا تكون التسميات ضمن (محور المقاومة) مهمة، ولكن تُذكر فقط من أجل التفصيل والتوضيح، لقد سلّم العالم (مكرهاً) أن هذا المحور الممتد من إيران إلى جنوب لبنان مروراً بالعراق وسورية، وبدعم كبير من روسيا والصين بالدرجة الأولى، هو من يقضّ مضجع (إسرائيل) وهو ما يدفع السياسة الأمريكية المرتبطة بها والساهرة على حمايتها، ولهذا كانت هذه الحرب المجرمة، والتي التقى في محرابها أعتى مجرمي العالم، وأقذر الأموال المسروقة من أفواه مستحقيها من شعوب مقهورة ومظلومة في ممالك الرمال.
عندما بدأ الإرهاب (يتضعض) وضربات الجيش العربي السوري تسقيه المنايا، قبل بـ (توجيه من داعميه) أن يقبل بـ (التسويات) التي طرحتها الدولة السورية عن قوة، وحفاظاً على الدم، وتجنيب المدنيين ويلات الموت (حيث كانت التنظيمات الإرهابية تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية)، وكان الترحال إلى مدينة إدلب، وظنّ البعض أن الدولة السورية ستسمح بتحويل إدلب إلى معسكر إرهابي إلى ما شاء الله، لكن وكما أكد السيد الرئيس بشار الأسد في جميع تصريحاته ومواقفه أن سورية لن تنهي حربها على الإرهاب قبل تطهير كلّ شبر فيها من رجسه، ولن نكرر تفاصيل المشهد في الشمال السوري وخاصة بعد دخول قوات أردوغان الاحتلالية، وكيف هبّ الجيش العربي السوري لمواجهته وحماية المدنيين في الشمال، ولن نعرّج على التحولات السياسية وتبدل التموّضع بالنسبة للعديد من القوى التي كانت موجودة في الشمال السوري، وكيف رفرفت الراية السورية وحدها في القسم الأكبر من تلك المنطقة الغالية على قلوبنا، وكان السؤال يتكرر يومياً جهراً وسرّاً، محلياً وخارجياً: وماذا عن إدلب؟
الجواب يحضر كلّ يوم، معركة تحرير إدلب تكتب عناوين من مجد وفخار، ومن يتابع الأحداث بإمكانه أن يقدّر الحجم الحقيقي لما ينجزه جيشنا تحت عنوان معركة تحرير إدلب، ليأتي السؤال التالي: وماذا عن الإرهاب المكدّس فيها؟
في الأيام الأخيرة من عام 2019 طلب أردوغان موافقة البرلمان التركي لإرسال جنوده إلى ليبيا، وحصل على هذه الموافقة..
متابعتنا لسياسة أردوغان تقودنا إلى استنتاجين ليسا صعبين، ولا يحتاجان للكثير من التفكير:
* الأول: أردوغان يريد مخرجاً له للخروج من المشهد السوري لأن تاريخه بات حافلاً بالهزائم، والشعب التركي يضغط عليه وينتقد سياساته، وبالتالي قد تكون ليبيا شماعة لفشله في سورية ومهرباً من جحيم الخيبة هنا إلى رمال التمويه هناك.
* الثاني: لن يذهب أردوغان إلى ليبيا وحيداً، سيحمل معه الكثير من الإرهابيين الموجودين في إدلب قبل أن يجلو النصر السوري القادم إلى إدلب المزيد من الفضائح للسلطان العثماني.
ما بعد (السليماني)
نعود إلى ما بدأنا به، فاستشهاد القائد الميداني (قاسم سليماني، والقائد أبو مهدي المهندس) لن يكون حدثاً عادياً، وهذا لا يعني أن من سبقهما إلى الشهادة كانوا عاديين، فكلّ شهيد هو طلقة مؤمنة جديدة في هذه الحرب، ولن نستبق الأحداث أو نعمل في (التنجيم السياسي)، لكن كلّ رجل دخل هذه الحرب كان يعرف أنّه مشروع شهيد، لم يدخل أحد الحرب من أجل كسب الخبرة أو الترفيه، والحدث ليس إيرانياً كما صوّره البعض، هو جزء مهم من حرب مقدّسة يخوضها هذا المحور دفاعاً عن شعوبه ومقدراته وسيادته، ولأن المعركة مستمرة حتى النصر الأخير فإن اغتيال (سليماني) قد يعجّل بعض مراحلها المتبقية، وقد يرفع منسوب عملياتها، بحيث تتلقى أمريكا ضربة جديدة موجعة.
التزم محور المقاومة طيلة السنوات الماضية التنسيق والتشاور، وهو ما سيكون في سياق الردّ على اغتيال (السليماني)، ومن هنا نتوقع أن يكون العمل مشتركاً ومكملاً لبعضه البعض على كلّ الجبهات.