الوحدة- لمي معروف
ظل الدماغ البشري وحتى عقد مضى، قارة مجهولة حتى لدى العلماء، بيد أن تطور تقنيات الفحص والمراقبة جعلت من الممكن، وعبر تجارب عملية إثبات ذلك الترابط الوثيق والتأثير المتبادل بين النفس والجسد لا بل إن بعض التجارب أثبت بما لا يدع مجالاً للشك وجود سلطة واضحة للنفس على الإيقاعات البيولوجية للجسم (الجسد)، سواء تعلق الأمر بالإفرازات الهورمونية، أو الشعور بالألم أو تنظيم ضربات القلب ومستوى الضغط الدموي أو الاستقلاب، جرى التيقن بشكل نهائي من حقيقة هذا الترابط لدرجة أصبح معها ممكناً إبدال التنويم المغناطيسي بالتخدير العام، أو التأكد من مدى قدرة التأمل على خفض ضغط الدم المرتفع، وهي ظواهر مازالت محاطة بالغموض والأسرار، التي يحاول علم الأعصاب إماطة اللثام عنها، ما يعني أننا إزاء تحد مثير قد يقلب الكثير من مفاهيم الطب وعلوم الأمراض ولأجل الوصول إلى فهم لتلك التأثيرات الحاسمة التي تمارسها الحالة النفسية على الجسد.
يحاول العلماء تتبع ما يجري للدماغ عبر ثلاثة أنواع من النشاطات الروحية هي التأمل والتركيز والتنويم المغناطيسي وهي حالات تصطف تحت تسمية حالات الوعي المعدلة.
وقد أظهرت التجارب أن لبعض هذه النشاطات تأثيراً حاسماً في علاج أوجاع وعلل جسدية ميؤوس من شفائها لدى بعض المصابين، لكن العلماء لا يقفون مكتوفي الأيدي أمام هذه النتائج بل يريدون معرفة المزيد والإجابة عن تساؤلات مثل لماذا ؟ وكيف يمكن لهذه السياقات قد تتحقق، وهو عمل شديد الصعوبة خاصة إذا علمنا درجة تعقيد تركيبة الدماغ والجهاز العصبي.
وتضم هذه الفرق العلمية خيرة علماء الأعصاب في دراسة جهاز المناعة وأمراض القلب الذين تجمعوا لمعرفة الحدود الفاصلة بين النشاطات الجسدية والنفسية، ويبدو أن الجميع أصبحوا على يقين بعدم وجود حدود فاصلة، وتحدثوا عن علائم حدودية مصطنعة خاصة وأن التجارب ما برحت تثبت مع كل يوم يمر التداخل المؤثر لكلا النشاطين ووجود تأثير في النفس على طريقة تشكل الدماغ وترتيب عصبوناته، لدرجة أن نظام الاستقلاب في مختلف أنحاء الجسد سيتأثر بالتالي بهذا التشكل الناشئ أصلاً عن تغيير الحالة النفسية، إضافة لتأثيرها في عمل جهاز المناعة.
لذلك يرجح أن الاسترخاء أفضل وقاية وعلاج ويعيد التوازن لنشاط الدماغ ويرفع درجات المناعة لأن الاضطراب النفسي أخطر ما يواجه الجهاز العصبي ويؤثر مباشرة في القلب والشرايين.