أعواد الريحان.. وحكاية «القفير والسانونة»

العدد: 9435

 الأحد-29-9-2019

 

الريحان بقيمته المعنوية ورمزيته الكبيرة وقد تحول بأيدي قدماء ريفنا الجميل بالإضافة إلى وظائفه المتعددة إلى قيمة مادية ذات خدمة يومية طيلة أيام السنة في وقت لم يكن يخلو أي منزل من ريف جبلة من مكونات الريحان كالقفير والسلة التي كانت تدعى فقوسة والسانونة.
تكاد هذه الصناعة واستخدامات تلك الأواني تقترب من الانقراض لولا قلة قليلة من قرية أهالي القصيبية وهي قرية تبعد عن مدينة جبلة حوالى 30 كم على خط وادي القلع الدالية وترتبط صناعة القفر والسلال بتلك القرية، إذ بقيت القرية الوحيدة التي تنتج هذه الأدوات وأصبحت مقصدا لمن يريد هذا المنتج. هذه التحف الثمينة والنادرة تصنع من أعواد الريحان التي تجنى من الغابات والأحراج.

القفير كانت استخداماتها على نطاق واسع في وضع الزيتون والقمح بعد سلقهما ليصفى من الماء يوم لم تكن الأدوات البلاستيكية معروفة ورائجة كذلك السلال التي كانت تستخدم لنفس الغايات هذه الأيام وهو وضع الفواكه والخضار وخاصة التين كي تحافظ على نضارتها وتحميها من العطب، أما السانونة فكانت تستخدم لوضع مقلي الفخار فيها لحمايته من الكسر وحماية مستخدميه من الشحار والحرارة.
بقيت صناعة هذه الأدوات ولكن على نطاق ضيق وحتى الاستخدامات تحولت لتكون وظيفتها تزيينية جمالية وتتحول لتكون صمديات للاحتفاظ بروح الماضي وذكرياته، الماضي العابق برائحة الأجداد بسيرورة تفرد بها الريحان وما أدراك ما الريحان! فهو رمز النصر عندما تتشكل منه أقواس النصر في كل المناسبات وهو رمز الهيبة والعظمة والوقار عند تزيين مواكب الشهداء والجنائز ورمز المحبة والرضى بزراعته على القبور وتزيينها به، لتكتمل وظائفه بوضع أجود الأطعمة وأطهرها بمكوناته وهي الزيتون والتين والقمح.

أعواد الريحان التي تستخدم هنا تسمى (خلوف) مفردها (خلف) وهي عيدان تقطع بمقص الشجر ويجب أن تكون ممشوقة ورقيقة متساوية الطول ويحبذ أن يشتغل بها وهي طرية قبل أن تجف لتكون طيعة بيد صانعها، هذا ما ذكره السيد أبو حاتم من قرية القصيبية الذي يبدع في صناعتها محولاً قضبان الريحان إلى أشكال في غاية الروعة حيث قال: يستغرق إنجاز القفير أربعة أيام ويبلغ ثمنها 4000 ليرة والسانونة يومين وثمنها 1200 ليرة وإذا ما طلب مني أشكال أخرى أنفذها حسب طلب الزبون.
ومؤخراً عاد الناس لطلب القفير كون الناس عادت إلى استخدامها لسلق الزيتون من أجل الحصول على زيت الخريج أما سلق الحنطة فقد تراجع استخدامها لهذا الشأن، كذلك السلال لم تعد مطلوبة كثيرا لوجود سلال القصب بالأسواق وبكثرة ومتوفرة أما السانونة فتطلب مني لاستخدامها كتحفة أو صمدية وعلى نطاق ضيق لمقلي الفخار. . هذه حكاية القفير والسانونة وأعواد الريحان ذات الرائحة الذكية والمهمات الجلية التي تؤديها في إنعاش ذاكرة الأجداد والماضي الجميل.

آمنة يوسف

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار