الوحدة 20-7-2024
كنت أخشى دائماً من فكرة فقدانك، فظلك المتأرجح مابين الحضور والغياب ينعكس بطريقة أو بأخرى على مكامن الإبداع في حرفي.
لاأذكر أني وضعت رأسي على وسادة قبل أن أرجو لك السلامة في كل ليلة، وأقرأ لك الأدعية التي أحفظها كلها، ومن بساطة تفكيري وسذاجتي أو ربما نقائي، كنت أظنك تفعل المثل، كنت أحسب ألف حساب إن مرضتَ في بعدي عنك، فإن لمحت الألم في نبرة صوتك وأنت تهاتفني أفكر في طريقة أخترق فيها جدار المسافات والأزمنة لأكون إلى جانبك وأسهر الليل على راحتك، فحين أمرض أنا، أرغب في وجود من يصدقون في محبتي ويهتمون لراحة نفسي قبل آلام جسدي.
وبما أننا في سيرة المرض أبعده الله عن الجميع، مازلت أتفاجأ في كل مرة بعدد الأشخاص السلبيين الذين يعودون المريض للاطمئنان على صحته، فيمتصون طاقته كلها، بما يشعّونه من أفكارٍ ومشاعرَ سلبية، فأنا أفهم زيارة المريض القصيرة هي لرفع معنوياته والوقوف إلى جانبه في مرضه، لذا أستغرب ممن يسوق الأحاديث السيئة كلها دفعة واحدة ويلقي بها في وجه شخص هو في مرحلة ضعف وتعافي.
فإما أن يؤلف قصصاً غير منطقية عن الطبيب المعالج، أو يشير إلى سوء نتائج المعالجة، أو يدعي الخبرة الطبية فيناقش في الأدوية وفاعليتها، وأن (بنت خالة مرة عم مابعرف مين) عندما أصيبت بالمرض ذاته، لجأت إلى الطبيب الفلاني وهو الوحيد في المدينة الناجح في اختصاصه، وأنه لم يتبع خطة العلاج ذاتها، وأنها تماثلت للشفاء فوراً…و…
ويبقى على هذا المنوال في نشر الإحباط والكآبة لأكثر من ساعة بحيث يتركك من دون طاقة حرفياً حتى لتقول له مودعاً: شكراً على زيارتك.
ولايقتصر دور هؤلاء السلبيين على المرض، بل ستجدهم في الموت والفرح والتهاني والمباركات، يقللون من شأن كل شيء، ويحاولون زعزعة ثقتك بأن القادم أفضل، على الرغم من معرفتهم أن هذا الأمل الضئيل هو مايبقيك صامداً قادراً على متابعة سعيك العبثي في الحياة.
عزيزي…
أظن من الأفضل أن نقطع هذه العلاقات بالفعل، يكفينا مانضطر عليه في أعمالنا من مجاملات، لم لانبقي علاقاتنا الاجتماعية محددة بالناس الإيجابيين، ستقول لي إن الاختلاط والانخراط يؤديان إلى توازن وعدوى بالتحسن نحو الأفضل، ولكني سأؤكد لك بثقة أن السلبيين أكثر تأثيراً وأشد فتكاً بالطاقة، لذا يجب عزلهم مع بعضهم.
ستحدثني عن صلة الرحم وسأجيبك: حتى الرحم عندما يصاب بمرض خبيث يتم استئصاله، ستقول لي إني أصبحت سوداوية، سأقول لك إنه انعكاس ظل غيابك الثقيل على قلبي وروحي، جعلني أرى الدنيا بالأبيض والأسود.
ياصاحب الظل الثقيل..
بالأمس ذكرت قصة كتبتها ونشرتها في صحيفة بعنوان (آخر مغفل عرفته)، فسألني في اليوم التالي للنشر أكثر من شخص إن كان هو المقصود، فأدركت كم أنا محاطة بالمغفلين!
في هذه الأيام يسألني الجميع من هو صاحب الظل الثقيل، ويظن بعضهم أنه المقصود..
لكني سأحجب شخصك عنهم هذه المرة أيضاً، ولن أخبرهم من أنت يا عزيزي، لتظل وحدك (أكبر مغفل عرفته)، ولتظل حكاياتي معك لاتشبه الحكايا الأخرى، فقصتنا الغريبة ولدت لتكون هكذا..ولأنه:
(ماحدا بيعبي مطرحك بقلبي..
كيف لك قلب تجافي اللي حبك هالمحبة… ماحدا بيعبي مطرحك بقلبي… خبرني ياحبي…خبرني ياحبي)…
نور نديم عمران