الوحدة: 12-9-2022
* لا أنسى فضل من مهّد لي الطريق نحو فنٍّ أصيل..
* الراحل سمير زوزو لا أنسى فضله أبداً
جورج نمر، مطرب من اللاذقية. عرفه الجمهور من خلال أغنياته وحفلاته التي تنهل من اللون الطربي، واتسمت به اللاذقية وأهلها خلالَ عشراتِ السنين، من خلال ترديد أغنيات تحنّ لها الذائقة الطربية، وتشدّ الكبيرَ والصغير لتردادِها والتحليق بها وبلحنها وبكلماتها العذبة الشجية. عن بداياته الأولى يتذكر: كأيِّ مبتدئ، كانت الخطوة الأولى من خلال المدرسة.
كُنتُ في الصف السادس، وكان الأستاذ خالد طويل أول من انتبه لموهبتي في مجال الغناء، فقد كان يطلب مني أنْ أغني في الصف، أيام الشتاء، حيث لا يوجد درس رياضة في الباحة تحت المطر، وكانت الأغنية الوحيدة التي كنتُ احفظها للراحل نصري شمس الدين (طلوا طلوا الصيادين وسلاحُن يلمع…) وقد قدمت هذه الاغنية في المركز الثقافي، أمام الجمهور، باسم مدرسة (يوسف العظمة)، من خلال مسرحية للأخوين الرحباني، كانت بعنوان (بائعة البندورة) …
وأوكل لي الأستاذ خالد طويل دور نصري شمس الدين (تمثيلا وغناءً). وقد حضر عرضَ المسرحية المحافظ وقيادة الفرع ومسؤولون وجمهور كبير، حينها شعرت أنني بدأت أحقق جزءاً من أحلامي، في هذا العالم الغنائي الجميل، الذي كان يسحرني. ودائماً رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة…
أذكر أنه طُلب مني أن أغني بين الفصلين، بالمسرحية ذاتها، نفس الأغنية أمام الجمهور، وذلك دون فرقة موسيقية، فقط بالاستعانة ببعض الأصدقاء ككورس.
شعرت حينها أنني مشروع مطرب، يبدأ خطواته الأولى. ومن هناك، من ذلك المسرح، بدأت الفكرة تعمل في رأسي وروحي… الخطوة التالية كانت (النادي الموسيقي) وصرت أتردّد على النادي، كي أتعلم أصولَ الموسيقا، بإشراف الأستاذ (فهمي الشغري) والأستاذ (زياد عجان)، هناك تعلمت الصولفيج الغنائي والإيقاعات والمقامات، وتعلمت أصولَ أداء الموشحات والقدود الحلبية التي تعلقت بها، وفي المرحلة الإعدادية اتجهت إلى منظمة شبيبة الثورة، حيث بدأت مشاركتي بحفلات الشبيبة.
وأذكر أنني شاركت بالحفلات التي كانت تقيمها المنظمة، وفاق عدد الحفلات أكثر من (400) حفلة. وهنا اتضحت لديَّ أكثر ملامحُ صورة فنان في مجال الغناء، وتحديداً الغناء الطربي، حيث توسعت مداركي ومروحة اختياراتي:
(الشعبي والطربي)، وانتقائي لأسماء مهمة في الطرب والغناء، مثل وديع الصافي، نصري شمس الدين، فؤاد غازي، صباح فخري..
بعدها انتسبت إلى (نادي توجيه الناشئة). في هذا النادي، كانت مشاركتي في مجال الغناء والتمثيل، وقدّمنا الكثير من المسرحيات والحفلات والسهرات اللاذقانية، وفي إحدى حفلاتي، في هذا النادي (وكان مقره مقابل باب المرفأ قرب مديرية البريد والآن أزيل هذا المبنى)، كان لي الشرف، أن يكون من الحضور المرحوم (جبرائيل سعادة) والمرحوم (محمود عجان)، حيث أثنيا على أدائي بشكل كبير.
وقد عرض عليَّ الأستاذ جبرائيل متابعتي فنياً، والاهتمام بموهبتي، باعتباره باحثاً في الموسيقا والآثار، وهذه كانت أهمّ محطة فنية في حياتي، وقد لفتت انتباه جمهور اللاذقية لموهبتي.
لأنه بمجرّد أن تتتلمذ على يد قامة كبيرة من مثل هذه القامات الكبيرة، فهي بالتأكيد شهادة لا تقدر بثمن لفنان شاب يشق طريقه في عالم الفن…
وهنا كانت للأستاذ جبرائيل لمسته الصادقة واهتمامه الراقي بإطلاقي وانطلاقي للغناء في المجتمع اللاذقاني، بتنوعه ومحبته لهذا اللون من الغناء الطربي…
وهنا لا بد من الإشارة للمحطة التي لا تقل أهمية عن المحطات السابقة، وهي معرفتي بالفنان الأستاذ الراحل سمير زوزو، الذي على يديه تمت عملية صقل علمية لصوتي. حيث قرأ مساحة صوتي، وعرف ما يناسبه من أغنيات، يمكنني اتقانها، ومعه كانت المحطة الفعلية لي لتعلم دروس الصولفيج الغنائي الأولى، وله الفضل بمعرفتي للفرقة الموسيقة التي كان لها حضورها المهم على مستوى مدينة اللاذقية.
وأذكر من أعضائها: جورج ديب(أوكورديون)، نعيم اختيار (ناي)، سليمان دقنوش (كمان) ، محمد دقنوش (قانون)،المرحوم أديب زكور (إيقاع) ،جاك قوزما (عود) ،المرحوم محمد يسوف (إيقاع) …
يضيف الفنان جورج (أبو فرح): أتحدَّث هنا عن فترة الثمانينات والتسعينات، من القرن الماضي. وقد كانت فترة ذهبية اتسمتْ بها مدينة اللاذقية، سينما، أمسيات، ضيوف، سيّاح، مصطافون، ولافتات تُعلنُ عن حفلات لأهمّ مطربي اللاذقية، في أهمّ المطاعم والمقاهي، عدا المهرجانات الكثيرة التي كانت تقيمها اللاذقية، وأهمّها مهرجان المحبة – مهرجان الباسل. ومن مطربي تلك الفترة المميزة:
(خليل صفتلي- المرحوم جورج فهد/ نقيب فناني اللاذقية، والد عابد وعامر فهد- ميشيل نعمة/ مرداد- برهان القصير- نقولا مانولي- جورج خوري- محمد حلاق- مصطفى يوزباشي- مروان بيبي- جولي- كنانة القصير..) في تلك الفترة تعاونت مع الأستاذ الباحث، الملحن والشاعر فايز فضول، من خلال إعطائي أغانٍ خاصة بي، عاطفية أو وطنية، أذكر منها: أغنية (أنتِ السبب)، وهي أغنية حصدتْ انتشاراً واسعاً، لأنها كانت قريبة من تراث اللاذقية لحناً وكلمات، وأغنية (أنت النور بعينيّيْ)، وأغنية (اسمك عَ قلبي انكتبْ). كذلك كتبَ لي الفنان سليمان شريبا كلمات أغنية (سياجكْ عاليْ يا سورية) وهي من ألحاني.
وكذلك هناك أغنية وطنية بعنوان (القسم) من ألحان الفنان غزوان العبدو، الفنان الرائع الذي يرافقني، كقائد فرقة موسيقية، منذ أكثر من 20 سنة.
وهنا اسمح لي أنْ أشير إلى دور الإعلام في مسيرتي الفنية، من خلال بعض التغطيات واللقاءت في الصحف أو الإذاعة أو التلفزيون، وبالأخصّ محطة أوغاريت المحلية.
ولكن للأسف بالرغم من الحضور الإعلامي والتغطيات وما إلى ذلك، إلا أننا، للأسف، نحن في سورية لا نتقن فنّ صناعة (النجم) كما هو الحال في لبنان الشقيق.
توجد لدينا شركات إنتاج درامية ناجحة، وحققت حضوراً عربياً كبيراً، بينما في مجال الغناء، فنحن نفتقد لوجود شركات إنتاج خاصة بإطلاق نجوم غناء، وإشراكهم بمهرجانات وحفلات، داخل القطر وخارج القطر، وحتى في دول الإغتراب.
شركة الإنتاج الناجحة هي التي تهتمّ بالفنان، بدءاً من انتقاء كلمات أغانيه إلى التعاقد مع الملحن القدير، إلى التسويق ونشر سيديات لألبوماته، إلى الظهور في التلفزيونات والإذاعات، حتى أن هذه الشركات تهتم بطلة الفنان ولباسه وتسريحة شهره وطريقة حديثه للإعلام. هذا ما نحتاجه. فمن يبادر؟ هنا السؤال لمن يريد الاستثمار في مجال الغناء، الذي، برأيي، لا يقلّ عن الأعمال الدرامية.
ولذلك فأنا إلى الآن لم ولن أفكر بإنتاج ألبوم غنائي خاص بي، بسبب عدم وجود شركات مختصة، تتبنى هكذا إنتاج. وعن ظاهرة وجود مدير أعمال يتابع شؤون الفنان، يضيف: هي ظاهرة غير رائجة في بلدنا، ولا يتقبلونها، هي في الخارج ناجحة، لكن للأسف، نادراً لا نرى مدير أعمال لفنانينا.
بالرغم من أنها تنظم حياة وعمل الفنان، وتكسبه حضوراً وغزارة في الإنتاج وفي المشاركات، ودون توقف.والأخوة اللبنانيين نموذج ناجح لما أتحدث لكَ به.
جورج ابراهيم شويط