العدد: 9274
الاثنين 21/1/2019
الكاتب: عزيز نصّار
أذكر من طفولتي اللوحة التي كَتبوا عليها (العصا لمنْ عصا)، وكان المعلمون في المرحلة الابتدائية يُجيزون لأنفسهم الضرب باليد والعصا، ولم يكن هذا الأمر يثير استنكاراً أو غضباً، ونقد من التربية المدرسية فأصبحت هذه العصا ممنوعة ومستهجنة.
***
توفيق الحكيم أديب بارز، وهو من روّاد المسرح العربي ويُطلقون عليه (أبو المسرح العربي) وأعماله تزيد على مئة كتاب في مختلف الأجناس الأدبية، وله كتاب ممتع عنوانه (عصا الحكيم في الدنيا والآخرة).
كان توفيق الحكيم يحاورُ البشر، وبعد أن يئس من محاورتهم، لجأ إلى الحوار مع حماره.
لكن الحمار هرب منه، فوجد الكاتب أن العصا التي ترافقه في إقامته وسفره هي صديقته الأثيرة المفضّلة، فهي لم تَخنْه مرة واحدة، فخصّص لها كتاباً هو «عصا الحكيم» وفي هذا الكتاب يقول توفيق الحكيم ما يريده في حواره بين الدنيا والآخرة، ويجمع الحوار بين المتعة والفائدة.
***
في عام 1982صدر لي ضمن منشورات اتحاد الكتاب العرب كتاب (دفتر الفرح) وهو مجموعة قصّصية آه.. ما أسرع مرور الزمن! مضى على ذلك سّتة وثلاثون عاماً.
وتتضمن المجموعة قصة بعنوان (عندما طالت العصا) وهي تتحدث عن تراكض الرجال مسرعين باتجاه رجل عجوز.
كان يشير إلى أفعى سوداء هائلة طولها يزيد على مترين، وثخنها كجذع شجرة صغيرة.
وقد أخفقت محاولات عديدة لقتلها
***
اندفع شاب وهو يلتقط عصا غليظة.
لم تترك له العجلة فرصةً لاختيار أداة أفضل.
لاحظ الرجال أن العصا لا يتجاوز طولها نصف ذراع، فتعجّبوا، وقال أحدهم: – مغامرة خطيرة، والعصا القصيرة ليست سلاحاً جيداً.
شدَّ الشاب قبضته على عصاه تقدّم بشجاعة وحزم بدأ يكيل ضربات عنيفة على رأس الأفعى وهي تتلوّى.
وظلّت الضربات تتلاحق حتى أصبحت الأفعى جثةً هامدة.
تجمّع الرجال حولها ليتأكدوا من القضاء عليها.
قال الشاب: – العصا إن تكنْ قصيرةً، فإنّ خطوة جريئة تجعلها أطول ممّا تظنون.
***
زعموا أن سليمان الحكيم خشي تمرّد مخلوقات الأرض وجنّها من بعده، فمات، وظلّ متّكئاً على عصاه.
لم يدخل عليه أحد رأوه وهابوه حسبوه في الأحياء وهو في الأموات وماذا عن مجد سليمان أهو أكبر من العُثّ الذي ينخر الخشب ويقتات به؟ دبّت الدودة إلى العصا ونخرتْها.
تهاوت العصا، وتهاوى جثمان سليمان الحكيم.
وبقي منه مزاميره. نشيد إنشاده.
هيكله، ولكنّهم دنّسوا الهيكل، فطردهم المخلّص (هذا بيت أبي وأنتم جعلتموه مغارة اللصوص).