بين الشـط والجبل … يا بحرُ .. أغلق دفتر أحزانك

العدد: 9274

الاثنين 21/1/2019

الكاتب: سيف الدين راعي

 

– عانقتني عيناك ..
يا بحر .. أغلق دفتر أحزانك..
أحسست بنشوة القبل… ورأيت كيف راحت أشواقي تشرق بنورها، وكيف رحتُ أراقب انهزام عتمة الغربة والضياع والقلق وصرتُ كالمعنىَّ بعشق الأماسي، يغسلها المطر، ويرشها الندى حبَّات نورٍ تنداح طيَّ نسيمٍ يموّجُ عينيكِ، فتندى الجفون وتطوف الأماني في أحداق السهر..
– هو العمر تسارع في خطاه وكنت – واخجلي – قد قضيت لياليه سكراناً في حانات الألم، وأقبية الخوف، منتظراً ريحاً تلقيني على شط مهجور أداعب موجه في غدوِّه والإياب.
– أغمضت عيني أبغي هدأة صوفية يفقد الموت فيها منجله ويتوارى خلف ابتهالات روحانية، في حين وعيتُ جيداً أن روح الإنسان قادرةً على إنجاز ما تبغيه فيما لو أرادت ذلك.
– رفعت رأسي ونظرت إلى البحر الممتد أمامي وقلت: وحدك يا بحر تفهم قلقي لأنك تشاركني القلق ذاته، أنت مثلي عصيٌّ على النوم، قضيت عمرك تصدم الشاطئ وكنت تبحث أبداً عن حريتك وعن السبل المؤدَّة لتجاوز الحواجز المرصوفة دونها.
– كانت العصافير قد استيقظت وبدأت أنغامها لتحية النور الناهض، في حين أخذت الدروب توسع خطاها وراح الحبق والقطّيف يثبَّان أريجهما ورأيتني أتمتم:
أيتها الصباحات، ما أمتع أن نحيا ونحب الحياة، وما أروع أن نعيش، وننظر إلى الموت دونما خوف أو وجل.
– لا أدري لِمَ يعاودني الحزن بين الفينة والفينة رغم أني قرّرت أن أغادره ما استطعت تيمناً بما قرأته في كتاب (مرداد) للأديب الكبير ميخائيل نعيمة إذ يقول:
لا قيمة لأي موت كأنه لا موت هناك بل حَيواتٌ يتجدّدن أبداً.
– فجاءةً ..
بدأ المطر التشرينيَّ بالهطول.. رفعت رأسي إلى السماء الكانت تنسكب ماءً غزيراً ملأت الدروب سيولاً، وفي لحظةٍ تلاشى كلُّ شيء ثم صفت السماء إلّا من رقع بيضاء متناثرة تلاعبها الرياح، في حين كان يشدّها الحنين إلى الالتقاء، علّها تتكاثف وتسقط خيراً تكنزه..
– فيما تبقىّ من العمر – أدركت متأخراً – أن لا شيء في الدنيا يعادل ابتسامةً، وأن القلوب التي يسكنها الحقد لن تعِّمر طويلاً، وتذكَّرتُ قولاً للمفكر سعدي يوسف، يقول:
(الأعوام أيّام، وها أنذا أثبت خطوي متطوعاً وأسير مع الأنهار منحدراً صوب الوادي).

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار