كسر خاطر مع الشغل والتنفيذ

الوحدة 23-4-2022
الجميع يشاهدون، الجميع يتابعون، والجميع يتحدثون ويناقشون..من يكسر عظم من؟ ..إلى متى وكيف يستمر وقف التنفيذ؟. هي الدراما السورية الاجتماعية التي عادت إلى التعافي بشكل ملحوظ، وعاد معها تسمّر الناس أمام الشاشة يتابعون بشغف مجريات أحداث ينقلها إلى عين المشاهد. فنانون سوريون بارعون يحترفون صنعة الإقناع، كتابةً وتمثيلاً وحواراً وتصويراً وإضاءةً وصوتاً وموسيقا وإخراجاً، بل وحتى ” كومبارساً ” بعيداً عن مدن الإنتاج ومواقع التصوير مسبقة الصنع التي لا تستطيع مجانبة التصنع والابتذال مهما بلغت من الدقة والذكاء والكلفة في إنشائها، شخصيات الأحداث في الشارع، في الحارة، في السوق، في المكتب، في البيت الطابقي الفارِه، في بيت العشوائيات البسيط، في الفندق الراقي، في الخرابة الحقيرة. الأمر الذي يجعل المشاهد أمام الشاشة يعيش حالة متابعةٍ واقعيةٍ ثلاثية الأبعاد، سواءً كانت هذه الشاشة قديمةً ذات ظهرٍ منتفخ أو شاشة “ديجيتال” جدارية عملاقة ذات قدٍ مسطحٍ نحيل. في موسم دراما رمضان ٢٠٢٢ يتربع على منصة الصدارة مسلسلان هما مسلسل كسر عضم ومسلسل مع وقف التنفيذ.
يتعرض مسلسل كسر عضم إلى ملفات فسادٍ مستشرٍ، فساد مسؤولين وأصحاب مناصب، فساد تجار وأصحاب رؤوس أموال، فساد ضباط وأفراد في الأجهزة التنفيذية، فساد محامين وقضاة وأطباء شرعيين في الأجهزة القضائية، فساد أساتذة جامعات، فساد قائمين على إدارة وحماية طلاب وطالبات السكن الجامعي، تجارة ممنوعات، تهريب غير شرعي، تجارة بشر وأعضاء، رقيق أبيض، تحايل وتشبيح واستخدام السلطة لتحقيق مصالح شخصية، اقتتال بين أصحاب نفوذ وأصحاب رؤوس أموال يؤدي إلى سلسلة من الاغتيالات والقتل والتفجيرات، فقراءٌ بسطاءُ يقعون ضحايا رخيصة في براثن أغوال مالٍ وسلطة، يأس وإحباط يسيطر على الشباب ومن يضحك منهم إنما يضحك ضحكة الخيبة والهروب، إشاراتٌ إلى وجود بعض الشخصيات الوطنية النزيهة، ضابط يتم اغتياله (العميد طلال)، وآخرُ مهزوز يتعاطى المخدرات ينتهي به الأمر إلى الإنتحار بدل المواجهة (الرائد ريان)، وثالثٌ لا يستطيع الحصول على معلومة في ملفٍ جنائي استلمه إلا بعد تقبيل رأس مساعد في الأمن (الرائد مروان)!. المسلسل يعالج محاور عشرية الأزمة والحرب في سورية ويتطرق إلى تفاصيل كثيرة سواءً بالإسهاب أو الإشارة ويركّز على محوري النفوذ والمال،  لكنه أسقط المحور الثالث والذي نعلم جميعاً أنّه الركن الأهم في ثالوث تفجير الأزمة والحرب في سورية وعليها، إنه محور استغلال الدين وتحديداً شيوخ الفتنة و التطرف والطائفية والإرهاب، هذا المحور استغله أصحابه أبشع استغلال للنيل من أمن وسلام البلد ومن خلاله تم التغرير بآلاف الشبان وسوقهم كالنعاج إلى ساحات الجهاد المقدس المزعوم، لا نعلم إن تم إسقاط هذا الملف سهواً أوعمداً أو مراعاةً لمعطياتٍ معينة، المسلسل يعالج الأزمة التي تمّ تفجيرها تحت شعار “الربيع العربي”ومع ذلك لم يتطرق المسلسل إلى هذا الشعار المزعوم لا من قريب ولامن بعيد على الأقل حتى تاريخ كتابة المقال. فالمسلسل لازال قيد العرض مع العلم أن المسلسل تطرق إلى السخرية من أحد المنجمين بعينه بالصوت والصورة “مايك فغالي” ونحن هنا طبعاً لسنا في معرض الدفاع عن المنجمين لكن الأشياء بالأشياء تُذْكر وما أهلاس المنجمين وتخاريفهم بأكبر من أهلاس وتخاريف المنظرين لما سمّيَّ بالربيع العربي.
المسلسل غاص وأغرق في وحل الفساد والواقع المتردي ولاينكر عاقلٌ حجم المأساة التي نعيشها واقعاً بعد عشرية النار والبارود .ولكن لاينكر جاحدٌ أيضاً قصص الشرفاء الذين قدموا دماءهم نضالاً لا انتحاراً وفضلاً لا اغتيالاً، هؤلاء لم يتطرق المسلسل إلى تضحياتهم ولا نطالب كمتابعين للمسلسل من طاقم عمله أن يطنبوا أسماعنا بتراتيل الغزل بياسمين دمشق وعبق حاراتها والتي سمّاها الشاب سومر في أحد المشاهد بالأسطوانة المشروخة لكن مسلسلاً يُقدَّمُ على أنه مسلسل يعالج الأزمة في سورية ويوَّصِّفُها يتوجب عليه أن يحيط بكافة أُطِر التوصيف من مسببات ووقائع وارتدادات دون إسقاط أحدها أو التركيز على أحدها دون الآخر .فالمسلسل مكون من ثلاثين حلقة، ويقال إنه في موسمه الأول أي أنّ الفضاء متسع للإحاطة بكل الجوانب ولو بشكل جزئي ونأمل أن يبقى المسلسل في دائرة كسر العظم ولا يتسع محيط الدائرة إلى كسر خاطر المُشاهد، فالعظام قد تجد من يجبرها. أما الخواطر فلا جابر لكسورها.
المسلسل الثاني مسلسل مع وقف التنفيذ يناقش الارتدادات الاجتماعية للحرب والأزمة، التردي الأخلاقي، الانحراف الجبري، الفساد الإداري، استغلال السلطة، استغلال الدين، سطوة المال، انحدار الذوق العام، وهم اليسار، الثقافة المقنعة، الانكسار وتغيير المبادئ، الفقر والبطالة، أمراء الحرب، التزلف والتملق، ضعف المرأة، وكل الخائضين في مستنقع الخطأ لهم مبرراتهم وظروفهم القاهرة التي توفر لهم أسباب انعدام الضمير كأن الموضوع بديهية وتحصيل حاصل، الجميع ضائعون تائهون حتى الشيخ المعتدل الزاهد عجز عن زرع الفضيلة في قلب ابنته الوحيدة التي آثرت التحول إلى مجرمةٍ فاسدةٍ قاتلة، والأب البسيط الحالم بمستقبلٍ أفضل لابنتيه أضحى قواداً شرعياً يبيعهما بعقد زواج وشاهدين لمن يملك أكثر، لسان حال المسلسل حتى تاريخ كتابة المقال يقول إنه لا أمل لا بصيص ضوء في نهاية النفق، الحرب وضعت أوزار النار والبارود، وعادت فرفعت أوزار اليأس والإحباط، شخصيات المسلسل بالكامل يلفها السواد وتلتهمها القتامة، وعَودٌ على بدء، نقول لا ينكر عاقل واقع مجتمعنا الأليم ونعلم أن مدة زيارة التيار الكهربائي لأجهزة التلفاز في البيوت لاتتعدى الساعتين يومياً تنير فيها الشاشة وتظلم قلوبنا على وقع كسر خاطر مع الشغل والتنفيذ.
                                                           شروق ديب ضاهر
تصفح المزيد..
آخر الأخبار