بين الشـط والجبل … «الصراخ توجعاً»

العـــــدد 9317

الخميــــــس 21 آذار 2019

 

لأن الصحافة مرآة الواقع وصورة الحراك المجتمعي -لأنها كذلك- لا يمكن للصحفي أن يكون خارج جلباب الأرض والناس والمحيط، ولا يمكن له العيش بمعزل عن المجتمع أو تعاطي الصحافة بالاستشعار عن بعد.
من طبع الأمور أن يكون حاضراً مع أولئك الزاحفين على بطونهم لتأمين قوت يومهم، ومع الذين يركضون أميالاً يومياً بحثاً عن رزقهم، ومن الطبيعي أن يكون في خندق المواجهة الأول رأياً وموقفاً بهدف تحصين المجتمع واستنهاض قواه الحية لمواجهة الحيتان والغيلان التي تطلع علينا كل يوم بلباس جديد وسلاح جديد محاولة سرقة اللقمة من أفواه الجياع، واغتيال الجمال من ربوعنا والجبال.
لن نذهب بعيداً فالمهمة الصحيفة واضحة وجليلة وتكاد تكون رسولية في ظروف كظروفنا نظراً لتعدد جبهات المواجهة في الداخل والخارج وتباين خطورتها، لذا سأقف عند جزئية من جزئيات المواجهة الداخلية وهي الغلاء الذي وصل عتبة غير مسبوقة في الأسابيع التي انقضت من هذا العام دفعت بسواد الناس التي عضها الفقر بأنياب حادة للصراخ ألماً، ولا ندري إن كان الصراخ وصل آذان القائمين على إدارة الأسواق وحماية المتسوقين.
قدرنا أن نواجه وحياتنا، ومنذ زمن بعيد قائمة على مواجهة تحديات هنا واختلالات هناك قبل أيام مثلاً طوينا أزمة الغاز، واليوم نواجه نقصاً حاداً في سلّتنا الغذائية التي تراجعت مكوناتها كثيراً ولا نقول نضبت تماماً- وسط تراجع كبير في القدرة الشرائية لليرة يقابله غلاء ألهب أسعار السلع الغذائية قبل غيرها، وشكّل مساحة كبيرة من نقاش المواطنين حول الدوافع والأسباب.
البطاطا أصبحت مادة حوار وحديث الموائد وليست صديقة لها، ولم تستطع جهود وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إنزالها عن الشجرة، ما أفسح المجال لتجار السوق الذين كعادتهم استغلوا جماهيرية البطاطا لمراكمة أرباح إضافية غير احتكارها ورفع أسعارها ما يؤلم أن الوزارة (حماية المستهلك) كانت أعلنت أنها لن تتخلى عن دورها في التدخل الإيجابي ولن تترك المستهلكين تحت رحمة من لا تعرف قلوبهم الرحمة وطمأنت الجميع أن سعر الكيلو الواحد من البطاطا لن يتجاوز (300) ليرة بعد أن وصلت الكمية المتعاقد عليها مع مصر وهي (5000) طن حسب التصريح الرسمي، لكنّ الكمية المستوردة وبدلاً من أن تعيد التوزان لسعر المادة شكّلت حافزاً لتجار السوق لاحتكارها ورفع سعرها الذي وصل عتبة (500) ليرة.
المؤلم حتى التفجع أن تسقط البطاطا من سلّة غذاء الفقراء بعد أن كانت صديقة موائدهم وتدفعهم للصراخ ألماً وتوجعاً، وإذا كان الشاعر قال: لا يعرف الشوق إلا من يكابده . . ولا الصبابة إلا من يعانيها. فطبيعي أن لا يحس بمثل هذا الوجع إلا من يكابده . . وما أكثرهم . .؟!

إبراهيم شعبان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار