الوحدة : 20-10-2021
الحياة سلسلة من العمليات الجبرية غير المتناهية مثل حركة الأمواج مليئة بالصعود والنزول, وكتاب مفتوح نحن مدعوون لمجالسته دائماً, فبدؤها الثابت هو التغيير الدائم بما فيها ذواتنا التي قد لا نلحظ تغييرها مباشرةً لكنها تنعكس وتظهر على أجسادنا على المدى الطويل.
بعض الناس لم يخلق لغايات مفيدة يعاني فصاماً مع الحياة حيث يعشعش الجهل ويترعرع على ضفاف وديانه الجافة ويتعفن الهواء من فرط سكونه, ضجر وتيه وشمس تشرق بدون أمل حيث يطغى على الأفكار طنين الذباب والفراغ ويفيض الضيق ويخنقه ويقدمه وليمة للغثيان ما يجعله دائم التحليق في العدم الذي يحيط بحياته وأحكم قبضته عليه حتى خنقه وكتم أنفاسه ولا يملك ما يحيا به ولأجله.
بعض الناس يعتبرون مأساة الإنسان هي العقل, فبفضل ذكائه اكتشف الشر وفاق بوحشيته كل الكائنات الأخرى, وهناك عقول تستثمر الغباء والبلة وتبرره بمسوغات قابلة للتصديق في بيئة لا يزهر فيها سوى المخاوف حيث أعيا الجدران أن تصغي إلى الأصوات والوساوس والهواجس والمشاحنات والصلوات ذاتها في ابتداع أوهام تنقذها من الموت والعدم, أرواح مهمشة صامتة لأنبياء البؤس والألم والجوع والضياع المترهلين الكسالى الذين لا يرغبون في إبعاد الذباب عن وجوههم, يكذبون على أنفسهم كي تغدو الحقائق قابلة للاحتمال.
نحن أسرى ذلك النوع من الجدل الخفي بيننا وبين ذواتنا, صراع الإنسان مع ذاته وأناه وبيئته وتقاليده وأسرته ومجتمعه وأفكاره ومعتقداته وبؤسه وفقره ومعاناته مع أحلامه وتخيلاته وغرائزه وإرادته وصراعه مع الواقع المأزوم المعاش, نعيش في بيئة تتثاءب حولنا بكسل فتمتلئ أرض أفكارنا بالكثير من التخبطات والأحداث والأفكار المتراكمة والشعور باليأس والهزيمة وضياع الأمل وكأننا فريسة مستباحة للخيبة والخذلان فننقل خيبة نهاراتنا إلى ذاكرة مساءاتنا ندورها هائمين في صحراء ضياعنا كمن يحمل تعويذة تمنحه شجاعة عدم التفكير بمجريات الحياة.
الخاوي يعيش خارج حدود زمانه غير قادر على التكيف والتلاؤم, يجلس على شطآن الحياة كالمومياء المحنطة ويغلف عقله ضباب لا ينقشع ويديه مفتوحتين تنتظران ما تتلقاه, يرافقه الإخفاق في الحياة يتسكع طوال النهار غير عالم إلى أين تقوده قدماه كمن يبحث عن ظله في يوم غائم ماطر, يطفح صدره بالحيرة والنقمة ويتوه في سرود ليس له حدود لا يدري أي السبل يسلك, في داخله فراغ وفي الفراغ دخان نار تنس ولا تشتعل لا يدري ماذا يركبه شيطان رجيم أم داء وبيل يعيش في معركة مع نفس أفقدته كل الحواس والمشاعر تستنزفه من الداخل وتحوله إلى خرقة بالية أو وعاء مثقوب فَيُقْعِي يمضع الماء ويجتر الهواء.
ضغوطات الحياة تطوقنا من كل الجهات وما علينا إلا أن نتعامل معها ونجيرها لصالحنا وإيجاد نوع من التوازن بين العقل والوجود والواقع , حيث وجودنا متعدد متفرع متشعب , والمهم حضورنا الفعلي الحقيقي فيه وإدراك الشيء المهم والمؤثر في حياتنا.
نعمان إبراهيم حميشة